هَلَكْتُ تَحْتَ حَوَافِرِ الْخَيْلِ.
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: سَوْفَ تَرَى بَنِي عَمِّكَ مِنَ الْغُورِيَّةِ مَا يَفْعَلُونَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُكَلِّمَهُمْ وَتَرُدَّ سَلَامَهُمْ. فَفَعَلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ أُمَرَاءُ الْغُورِيَّةِ يَتَضَرَّعُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَقُولُونَ سَوْفَ تَرَى مَا نَفْعَلُ.
وَسَارَ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مَوْضِعِ الْمَصَافِّ الْأَوَّلِ، وَجَازَهُ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَأَخَذَ عِدَّةَ مَوَاضِعَ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا سَمِعَ الْهِنْدِيُّ تَجَهَّزَ، وَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ، وَسَارَ يَطْلُبُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَقِيَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مَرْحَلَةٌ عَادَ شِهَابُ الدِّينِ وَرَاءَهُ وَالْكَافِرُ فِي أَعْقَابِهِ أَرْبَعَ مَنَازِلَ.
فَأَرْسَلَ الْكَافِرُ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: أَعْطِنِي يَدَكَ، إِنَّكَ تُصَافِفْنِي فِي بَابِ غَزْنَةَ حَتَّى أَجِيءَ وَرَاءَكَ وَإِلَّا فَنَحْنُ مُثْقَلُونَ، وَمِثْلُكَ لَا يَدْخُلُ الْبِلَادَ شِبْهَ اللُّصُوصِ، ثُمَّ يَخْرُجُ هَارِبًا، مَا هَذَا فِعْلَ السَّلَاطِينِ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ: إِنَّنِي لَا أَقْدِرُ عَلَى حَرْبِكَ.
وَتَمَّ عَلَى حَالِهِ عَائِدًا إِلَى أَنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْكَافِرُ فِي أَثَرِهِ يَتْبَعُهُ، حَتَّى لَحِقَهُ قَرِيبًا مِنْ مَرَنْدَةَ، فَجَهَّزَ [حِينَئِذٍ] شِهَابُ الدِّينِ مِنْ عَسْكَرِهِ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَقَالَ: أُرِيدُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تَدُورُونَ حَتَّى تَكُونُوا وَرَاءَ عَسْكَرِ الْعَدُوِّ، وَعِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ تَأْتُونَ أَنْتُمْ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَأَنَا مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ.
وَمِنْ عَادَةِ الْهُنُودِ أَنَّهُمْ لَا يَبْرَحُونَ مِنْ مَضَاجِعِهِمْ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا حَمَلَ عَلَيْهِمْ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَضُرِبَتِ الْكَوْسَاتُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ مَلِكُ الْهِنْدِ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: مَنْ يَقْدَمُ عَلَيَّ، أَنَا هَذَا؟ وَالْقَتْلُ قَدْ كَثُرَ فِي الْهُنُودِ، وَالنَّصْرُ قَدْ ظَهَرَ لِلْمُسْلِمِينَ.
فَلَمَّا رَأَى مَلِكُ الْهِنْدِ ذَلِكَ أَحْضَرَ فَرَسًا لَهُ سَابِقًا، وَرَكِبَ لِيَهْرُبَ، فَقَالَ لَهُ أَعْيَانُ أَصْحَابِهِ: إِنَّكَ حَلَفْتَ لَنَا أَنَّكَ لَا تُخَلِّينَا وَتَهْرُبُ، فَنَزَلَ عَنِ الْفَرَسِ وَرَكِبَ الْفِيلَ وَوَقَفَ مَوْضِعَهُ، وَالْقِتَالُ شَدِيدٌ وَالْقَتْلُ قَدْ كَثُرَ فِي أَصْحَابِهِ، فَانْتَهَى الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ وَأَخَذُوهُ أَسِيرًا، وَحِينَئِذٍ عَظُمَ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِي الْهُنُودِ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ.
وَأُحْضِرَ الْهِنْدِيُّ بَيْنَ يَدَيْ شِهَابِ الدِّينِ، فَلَمْ يَخْدُمْهُ، فَأَخَذَ بَعْضُ الْحُجَّابِ بِلِحْيَتِهِ، وَجَذَبَهُ إِلَى الْأَرْضِ، حَتَّى أَصَابَهَا جَبِينَهُ، وَأَقْعَدَهُ بَيْنَ يَدَيْ شِهَابِ الدِّينِ، فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute