فَلَمَّا انْهَزَمَ الْهُنُودُ دَخَلَ شِهَابُ الدِّينِ بِلَادَ بَنَارِسَ، وَحَمَلَ مِنْ خَزَائِنِهَا عَلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ جَمَلٍ، وَعَادَ إِلَى غَزْنَةَ، وَمَعَهُ الْفِيَلَةُ الَّتِي أَخَذَهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا فِيلٌ أَبْيَضُ.
حَدَّثَنِي مَنْ رَآهُ: لَمَّا أُخِذَتِ الْفِيَلَةُ، وَقُدِّمَتْ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ، وَأُمِرَتْ بِالْخِدْمَةِ، فَخَدَمَتْ جَمِيعُهَا إِلَّا الْأَبْيَضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْدُمْ، وَلَا يَعْجَبْ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِنَا الْفِيَلَةُ تَخْدُمُ فَإِنَّهَا تَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهَا، وَلَقَدْ شَاهَدْتُ فِيلًا بِالْمَوْصِلِ وَفَيَّالُهُ يُحَدِّثُهُ، فَيَفْعَلُ مَا يَقُولُ لَهُ.
ذِكْرُ قَتْلِ السُّلْطَانِ طُغْرُلْ، وَمُلْكِ خُوَارِزْمِ شَاهْ الرَّيَّ، وَوَفَاةِ أَخِيهِ سُلْطَانِ شَاهْ
لَقَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] خُرُوجَ السُّلْطَانِ طُغْرُلْ بْنِ أَلْبِ أَرْسَلَانَ بْنِ طُغْرُلْ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ بْنِ أَلْبِ أَرُسَلَانَ السَّلْجُوقِيِّ مِنَ الْحَبْسِ، وَمُلْكَهُ هَمَذَانَ وَغَيْرَهَا، وَكَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُتْلُغْ إِينَانْج بْنِ الْبَهْلَوَانِ، صَاحِبِ الْبِلَادِ حَرْبٌ، انْهَزَمَ فِيهَا قُتْلُغْ إِينَانْجُ، وَتَحَصَّنَ بِالرَّيِّ.
وَسَارَ طُغْرُلْ إِلَى هَمَذَانَ، وَأَرْسَلَ قُتْلُغْ إِينَانْجُ إِلَى خُوَارِزْمِ شَاهْ عَلَاءِ الدِّينِ تُكْشَ يَسْتَنْجِدُهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَلَمَّا تَقَارَبَا نَدِمَ قُتْلُغْ إِينَانْجُ عَلَى اسْتِدْعَاءِ خُوَارِزْمِ شَاهْ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَمَضَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَتَحَصَّنَ قَلْعَةً لَهُ، فَسَارَ خُوَارِزْمِ شَاهْ إِلَى الرَّيِّ وَمَلَكَهَا.
وَحَصَرَ قَلْعَةَ طَبَرْكَ فَفَتَحَهَا فِي يَوْمَيْنِ، وَرَاسَلَهُ طُغْرُلْ، وَاصْطَلَحَا، وَبَقِيَتِ الرَّيُّ فِي يَدِ خُوَارِزْمِ شَاهْ فَرَتَّبَ فِيهَا عَسْكَرًا يَحْفَظُهَا، وَعَادَ إِلَى خُوَارِزْمَ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَخَاهُ سُلْطَانَ [شَاهْ] قَدْ قَصَدَ خُوَارِزْمَ، فَجَدَّ فِي السَّيْرِ خَوْفًا عَلَيْهَا، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ، وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ أَنَّ أَهْلَ خُوَارِزْمَ مَنَعُوا سُلْطَانَ شَاهْ عَنْهَا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهَا، وَعَادَ عَنْهَا خَائِبًا.
فَشَتَّى خُوَارِزْمُ شَاهْ بِخُوَارِزْمَ، فَلَمَّا انْقَضَى الشِّتَاءُ سَارَ إِلَى مَرْوَ لِقَصْدِ أَخِيهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فِي الصُّلْحِ.
فَبَيْنَمَا هُمْ فِي تَقْرِيرِ الصُّلْحِ وَرَدَ عَلَى خُوَارِزْمِ شَاهْ رَسُولٌ مِنْ مُسْتَحْفِظِ قَلْعَةِ سَرَخْسَ لِأَخِيهِ سُلْطَانِ شَاهْ يَدْعُوهُ لِيُسَلِّمَ الْقَلْعَةَ ; لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْحَشَ مِنْ صَاحِبِهِ سُلْطَانِ شَاهْ، فَسَارَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَيْهِ مُجِدًّا، فَتَسَلَّمَ الْقَلْعَةَ وَصَارَ مَعَهُ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ سُلْطَانَ شَاهْ فَفَتَّ فِي عَضُدِهِ، وَتَزَايَدَ كَمَدُهُ، فَمَاتَ سَلْخَ رَمَضَانَ سَنَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute