للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَ خُوَارِزْمُ شَاهْ بِمَوْتِهِ سَارَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى مَرْوَ فَتَسَلَّمَهَا، وَتَسَلَّمَ مَمْلَكَةَ أَخِيهِ سُلْطَانِ شَاهْ جَمِيعَهَا وَخَزَائِنَهُ.

وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِهِ عَلَاءِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِينَئِذٍ قُطْبَ الدِّينِ، وَهُوَ بِخُوَارِزْمَ، فَأَحْضَرَهُ فَوَلَّاهُ نَيْسَابُورَ، وَوَلَّى ابْنَهُ الْأَكْبَرَ مَلِكْشَاهْ مَرْوَ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ.

فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَصَدَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْ بَلَدَ الرَّيِّ فَأَغَارَ عَلَى مَنْ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، [فَفَرَّ مِنْهُ قُتْلُغْ إِينَانْجُ بْنُ الْبَهْلَوَانِ، وَأَرْسَلَ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ] يَعْتَذِرُ وَيَسْأَلُ إِنْجَادَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً.

وَوَافَقَ ذَلِكَ وُصُولَ رَسُولِ الْخَلِيفَةِ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ يَشْكُو مِنْ طُغْرُلْ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ قَصْدَ بِلَادِهِ وَمَعَهُ مَنْشُورٌ بِإِقْطَاعِهِ الْبِلَادَ، فَسَارَ مِنْ نَيْسَابُورَ إِلَى الرَّيِّ، فَتَلْقَاهُ قُتْلُغ إِينَانْجُ وَمَنْ مَعَهُ بِالطَّاعَةِ، وَسَارُوا مَعَهُ.

فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْ بِوُصُولِهِ كَانَتْ عَسَاكِرُهُ مُتَفَرِّقَةً، فَلَمْ يَقِفْ لِيَجْمَعَهَا بَلْ سَارَ إِلَيْهِ فِيمَنْ مَعَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنِ الَّذِي تَفْعَلُهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ تَجْمَعَ الْعَسَاكِرَ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ، بَلْ تَمَّمَ مَسِيرَهُ.

فَالْتَقَى الْعَسْكَرَانِ بِالْقُرْبِ مِنَ الرَّيِّ، فَحَمَلَ طُغْرُلْ بِنَفْسِهِ وَسَطَ عَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَأَلْقَوْهُ عَنْ فَرَسِهِ، وَقَتَلُوهُ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَحُمِلَ رَأَسُهُ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَسَيَّرَهُ مِنْ يَوْمِهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَنُصِبَ بِهَا بِبَابِ النُّوبِيِّ عِدَّةَ أَيَّامٍ.

وَسَارَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى هَمَذَانَ، وَمَلَكَ تِلْكَ الْبِلَادَ جَمِيعَهَا، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ قَدْ جَهَّزَ عَسْكَرَ إِلَى نَجْدَةَ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَسَيَّرَ لَهُ الْخِلَعَ السُّلْطَانِيَّةَ مَعَ وَزِيرِهِ مُؤَيِّدِ الدِّينِ بْنِ الْقَصَّابِ، فَنَزَلَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ هَمَذَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خُوَارِزْمُ شَاهْ يَطْلُبُهُ إِلَيْهِ.

فَقَالَ مُؤَيِّدُ الدِّينِ: يَنْبَغِي أَنْ تَحْضُرَ أَنْتَ وَتَلْبَسَ الْخِلْعَةَ مِنْ خَيْمَتِي وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ لِخَوَارِزْمَ شَاهْ: إِنَّهَا حِيلَةٌ عَلَيْكَ حَتَّى تَحْضُرَ عِنْدَهُ، وَيَقْبِضَ عَلَيْكَ.

فَرَحَلَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَيْهِ قَصْدًا لِأَخْذِهِ فَانْدَفَعَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَالْتَجَأَ إِلَى بَعْضِ الْجِبَالِ، فَامْتَنَعَ بِهِ، فَرَجَعَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى هَمَذَانَ، وَلَمَّا مَلَكَ هَمَذَانَ وَتِلْكَ الْبِلَادَ سَلَّمَهَا إِلَى قُتْلُغ إِينَانْجَ، وَأَقْطَعَ كَثِيرًا مِنْهَا لِمَمَالِيكِهِ، وَجَعَلَ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِمْ مَيَاجِقَ، وَعَادَ إِلَى خُوَارِزْمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>