ذِكْرُ مَسِيرِ وَزِيرِ الْخَلِيفَةِ إِلَى خُوزِسْتَانَ وَمُلْكِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَعْبَانَ، خَلَعَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ عَلَى النَّائِبِ فِي الْوِزَارَةِ مُؤَيِّدِ الدِّينِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْقَصَّابِ، خِلَعَ الْوِزَارَةِ، وَحُكِّمَ فِي الْوِلَايَةِ وَبَرَزَ فِي رَمَضَانَ، وَسَارَ إِلَى بِلَادِ خُوزِسْتَانَ ; [وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا قَدْ خَدَمَ فِي خُوزِسْتَانَ] ، وَوَلِيَ الْأَعْمَالَ بِهَا، وَصَارَ لَهُ فِيهَا أَصْحَابٌ وَأَصْدِقَاءُ وَمَعَارِفُ، وَعَرَفَ الْبِلَادَ وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ يُمْكِنُ الدُّخُولُ إِلَيْهَا وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا وَلِيَ بِبَغْدَادَ نِيَابَةَ الْوِزَارَةِ أَشَارَ عَلَى الْخَلِيفَةِ بِأَنْ يُرْسِلَهُ فِي عَسْكَرٍ إِلَيْهَا لِيَمْلِكَهَا لَهُ، وَكَانَ عَزْمُهُ أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ الْبِلَادَ وَاسْتَقَرَّ فِيهَا أَقَامَ مُظْهِرًا لِلطَّاعَةِ، مُسْتَقِلًّا بِالْحُكْمِ فِيهَا; لِيَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ.
فَاتُّفِقَ أَنَّ صَاحِبَهَا ابْنُ شَمْلَةَ تُوُفِّيَ، وَاخْتَلَفَ أَوْلَادُهُ بَعْدَهُ، فَرَاسَلَ بَعْضُهُمْ مُؤَيِّدَ الدِّينِ يَسْتَنْجِدُهُ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الصُّحْبَةِ الْقَدِيمَةِ، فَقَوِيَ الطَّمَعُ فِي الْبِلَادِ، فَجُهِّزَتِ الْعَسَاكِرُ وَسُيِّرَتْ مَعَهُ إِلَى خُوزِسْتَانَ، فَوَصَلَهَا سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْبِلَادِ مُرَاسَلَاتٌ وَمُحَارَبَةٌ عَجَزُوا عَنْهَا، وَمَلَكَ مَدِينَةَ تُسْتَرَ فِي الْمُحَرَّمِ، وَمَلَكَ غَيْرَهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَمَلَكَ الْقِلَاعَ مِنْهَا: قَلْعَةُ النَّاظِرِ، وَقَلْعَةُ كَاكَرْد، وَقَلْعَةُ لَامُوجَ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْحُصُونِ وَالْقِلَاعِ، وَأَنْفَذَ بَنِي شَمْلَةَ أَصْحَابَ بِلَادِ خُوزِسْتَانَ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَصَلُوا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
ذِكْرُ حَصْرِ الْعَزِيزِ مَدِينَةَ دِمَشْقَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ الْمَلِكُ الْعَزِيزُ عُثْمَانُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ صَاحِبُ مِصْرَ، إِلَى مَدِينَةِ دِمَشْقَ، فَحَصَرَهَا وَبِهَا أَخُوهُ الْأَكْبَرُ الْمَلِكُ الْأَفْضَلُ عَلِيُّ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ. وَكُنْتُ حِينَئِذٍ بِدِمَشْقَ، فَنَزَلَ بِنَوَاحِي مَيْدَانِ الْحَصَى، فَأَرْسَلَ الْأَفْضَلُ إِلَى عَمِّهِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ. أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، وَهُوَ صَاحِبُ الدِّيَارِ الْجَزَرِيَّةِ، يَسْتَنْجِدُهُ، وَكَانَ الْأَفْضَلُ غَايَةَ الْوَاثِقِ بِهِ وَالْمُعْتَمِدِ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَبَقَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَسَارَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ إِلَى دِمَشْقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute