لِأَنَّهُمْ رَأَوُا الْبِلَادَ قَدْ خَلَتْ مِنْ عَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَطَمِعُوا فِيهَا، فَدَخَلُوا الرَّيَّ، فَحَصَرَهَا وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ، فَفَارَقَهَا قُتْلُغُ إِينَانْجُ، وَمَلَكَهَا الْوَزِيرُ، وَنَهَبَهَا الْعَسْكَرُ، فَأَمَرَ الْوَزِيرُ بِالنِّدَاءِ بِالْكَفِّ عَنِ النَّهْبِ.
وَسَارَ قُتْلُغُ إِينَانْجُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى مَدِينَةِ آوَةَ، وَبِهَا شِحْنَةُ الْوَزِيرِ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِهَا، فَسَارُوا عَنْهَا، وَرَحَلَ الْوَزِيرُ فِي أَثَرِهِمْ نَحْوَ هَمَذَانَ، فَبَلَغَهُ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ أَنَّ قُتْلُغَ إِينَانْجَ قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ عَسْكَرٌ، وَقَصَدَ مَدِينَةَ كَرَجَ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى دَرَبَنْدَ هُنَاكَ، فَطَلَبَهُمُ الْوَزِيرُ، فَلَمَّا قَارَبَهُمُ الْتَقَوْا، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ قُتْلُغُ إِينَانْجُ وَنَجَا بِنَفْسِهِ، وَرَحَلَ الْوَزِيرُ مِنْ مَوْضِعِ الْمَصَافِّ إِلَى هَمَذَانَ، فَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا، فَأَقَامَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَوَصَلَهُ رَسُولُ خُوَارِزْمَ شَاهْ تُكُشُ، وَكَانَ قَدْ قَصَدَهُمْ مُنْكِرًا أَخْذَهُ الْبِلَادَ مِنْ عَسْكَرِهِ،، وَيَطْلُبُ إِعَادَتَهَا وَتَقْرِيرَ قَوَاعِدِ الصُّلْحِ، فَلَمْ يُجِبِ الْوَزِيرُ إِلَى ذَلِكَ، فَسَارَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مُجِدًّا إِلَى هَمَذَانَ.
وَكَانَ الْوَزِيرُ مُؤَيِّدُ الدِّينِ [بْنُ] الْقَصَّابِ قَدْ تُوُفِّيَ فِي أَوَائِلِ شَعْبَانَ، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ مَصَافٌّ، نِصْفَ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْعَسْكَرَيْنِ، وَانْهَزَمَ عَسْكَرُ الْخَلِيفَةِ، وَغَنِمَ الْخُوَارِزْمِيُّونَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَمَلَكَ خُوَارِزْمُ شَاهْ هَمَذَانَ، وَنَبَشَ الْوَزِيرَ مِنْ قَبْرِهِ وَقَطَعَ رَأْسَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى خُوَارِزْمَ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ إِنَّ خُوَارِزْمَ شَاهْ أَتَاهُ مِنْ خُرَاسَانَ مَا أَوْجَبَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا، فَتَرَكَ الْبِلَادَ وَعَادَ إِلَى خُرَاسَانَ.
ذِكْرُ غَزْوِ [ابْنِ] عَبْدِ الْمُؤْمِنَ الْفِرِنْجَ بِالْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ - فِي شَعْبَانَ - غَزَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ صَاحِبُ بِلَادِ الْمَغْرِبِ وَالْأَنْدَلُسِ، بِلَادَ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَلْفُنْشَ مَلِكَ الْفِرِنْجِ بِهَا، وَمَقَرُّ مُلْكِهِ مَدِينَةُ طُلَيْطُلَةَ، كَتَبَ إِلَى يَعْقُوبَ كِتَابًا نُسْخَتُهُ: " بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ لَازِبٍ، وَلَا ذِي ذَكَاءٍ ثَاقِبٍ، أَنْتَ أَمِيرُ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، كَمَا أَنَا أَمِيرُ الْمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَأَنَّكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute