للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُهُ وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ كَتَبَ فِي أَعْلَاهُ هَذِهِ الْآيَةَ {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: ٣٧] وَأَعَادَهُ إِلَيْهِ. وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ الْعَظِيمَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَبَرَ الْمَجَازَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ.

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ عُبُورِهِ إِلَى الْأَنْدَلُسِ أَنَّ يَعْقُوبَ لَمَّا قَاتَلَ الْفِرِنْجَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] وَصَالَحَهُمْ، بَقِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْفِرِنْجِ لَمْ تَرْضَ الصُّلْحَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ جَمَعَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ جَمْعًا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَخَرَجُوا إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَغَنِمُوا وَأَسَرُوا، وَعَاثُوا فِيهَا عَيْثَا شَدِيدًا، فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى يَعْقُوبَ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرِ، وَعَبَرَ الْمَجَازَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ فِي جَيْشٍ يَضِيقُ عَنْهُ الْفَضَاءُ، فَسَمِعَتِ الْفِرِنْجُ بِذَلِكَ، فَجَمَعَتْ قَاصِيَهُمْ وَدَانِيَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ مُجِدِّينَ عَلَى قِتَالِهِ وَوَاثِقِينَ بِالظَّفَرِ لِكَثْرَتِهِمْ، فَالْتَقَوْا تَاسِعَ شَعْبَانَ، شَمَالِيَّ قُرْطُبَةَ عِنْدَ قَلْعَةِ رِيَاحٍ، بِمَكَانٍ يُعْرَفُ بِمَرْجِ الْحَدِيدِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَكَانَتِ الدَّائِرَةُ أَوَّلًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ عَادَتْ عَلَى الْفِرِنْجِ، فَانْهَزَمُوا أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ، وَانْتَصَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ٤٠]

وَكَانَ عَدَدُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْفِرِنْجِ مِائَةَ أَلْفٍ وَسِتَّةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَأُسِرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا عَظِيمًا، فَمِنَ الْخِيَامِ مِائَةُ أَلْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَمِنَ الْخَيْلِ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَمِنَ الْبِغَالِ مِائَةُ أَلْفٍ، وَمِنَ الْحَمِيرِ مِائَةُ أَلْفٍ. وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ نَادَى فِي عَسْكَرِهِ: مَنْ غَنِمَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ سِوَى السِّلَاحِ، وَأَحْصَى مَا حُمِلَ إِلَيْهِ مِنْهُ، فَكَانَ زِيَادَةً عَلَى سَبْعِينَ أَلْفَ لَبْسٍ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَحْوَ عِشْرِينَ أَلْفًا.

وَلَمَّا انْهَزَمَ الْفِرِنْجُ اتَّبَعَهُمْ أَبُو يُوسُفَ فَرَآهُمْ قَدْ أَخَذُوا قَلْعَةَ رَبَاحٍ، وَسَارُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>