ذِكْرُ فِعْلَةِ الْمُلَثَّمِ بِإِفْرِيقِيَّةَ
لَمَّا عَبَرَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ صَاحِبُ الْمَغْرِبِ إِلَى الْأَنْدَلُسِ - كَمَا ذَكَرْنَا - وَأَقَامَ مُجَاهِدًا ثَلَاثَ سِنِينَ. انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ عَنْ إِفْرِيقِيَّةَ، فَقَوِيَ طَمَعُ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُلَثَّمِ الْمَيُورْقِيِّ، وَكَانَ بِالْبَرِّيَّةِ مَعَ الْعَرَبِ، فَعَاوَدَ قَصْدَ إِفْرِيقِيَّةَ، فَانْبَثَّ جُنُودُهُ فِي الْبِلَادِ فَخَرَّبُوهَا، وَأَكْثَرُوا الْفَسَادَ فِيهَا، فَمُحِيَتْ آثَارُ تِلْكَ الْبِلَادِ وَتَغَيَّرَتْ، وَصَارَتْ خَالِيَةً مِنَ الْأَنِيسِ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا.
وَأَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى بِجَايَةَ وَمُحَاصَرَتَهَا لِاشْتِغَالِ يَعْقُوبَ بِالْجِهَادِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى بِجَايَةَ سَارَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى يَعْقُوبَ بِذَلِكَ، فَصَالَحَ الْفِرِنْجَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَادَ إِلَى مُرَّاكِشَ عَازِمًا عَلَى قَصْدِهِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنَ الْبِلَادِ، كَمَا فَعَلَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ أَصْفَهَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ جَيْشًا وَسَيَّرَهُ إِلَى أَصْفَهَانَ، وَمُقَدَّمُهُمْ سَيْفُ الدِّينِ طُغْرُلْ، مُقْطَعُ بَلَدِ اللِّحْفِ مِنَ الْعِرَاقِ، وَكَانَ بِأَصْفَهَانَ عَسْكَرٌ لِخُوَارِزْمَ شَاهْ مَعَ وَلَدِهِ.
وَكَانَ أَهْلُ أَصْفَهَانَ يَكْرَهُونَهُمْ، فَكَاتَبَ صَدْرُ الدِّينِ الْخُجَنْدِيُّ رَئِيسُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَصْفَهَانَ الدِّيوَانَ بِبَغْدَادَ يَبْذُلُ مِنْ نَفْسِهِ تَسْلِيمَ الْبَلَدِ إِلَى مَنْ يَصِلُ الدِّيوَانَ مِنَ الْعَسَاكِرِ، وَكَانَ هُوَ الْحَاكِمُ بِأَصْفَهَانَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهَا، فَسُيِّرَتِ الْعَسَاكِرُ، فَوَصَلُوا إِلَى أَصْفَهَانَ، وَنَزَلُوا بِظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَفَارَقَهُ عَسْكَرُ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَعَادُوا إِلَى خُرَاسَانَ، وَتَبِعَهُمْ بَعْضُ عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ، فَتَخَطَّفُوا مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا مِنْ سَاقَةِ الْعَسْكَرِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ عَسْكَرُ الْخَلِيفَةِ إِلَى أَصْفَهَانَ وَمَلَكُوهَا.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ حَالِ كُوكْجَه وَمُلْكِهِ بَلَدَ الرَّيِّ وَهَمَذَانَ وَغَيْرَهُمَا لَمَّا عَادَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى خُرَاسَانَ، كَمَا ذَكَرْنَا وَاتَّفَقَ الْمَمَالِيكُ الَّذِينَ لِلْبَهْلَوَانِ وَالْأُمَرَاءُ، وَقَدَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كُوكْجَه، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ الْمَمَالِيكِ الْبَهْلَوَانِيَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute