وَسَبَبُ رَحِيلِهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَهُمْ مَيْمُونٌ الْقَصْرِيُّ، وَأُسَامَةُ، وَسَرَا سُنْقُرُ، وَالْحَجَّافُ، وَابْنُ الْمَشْطُوبِ، وَغَيْرُهُمْ، قَدْ عَزَمُوا عَلَى الْفَتْكِ بِهِ وَبِفَخْرِ الدِّينِ جَرْكَسَ مُدَبِّرِ دَوْلَتِهِ، وَضَعَهُمُ الْعَادِلُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ سَارَ إِلَى مِصْرَ وَبَقِيَ الْعَادِلُ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِرِنْجِ فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ تَبْقَى بَيْرُوتُ بِيَدِ الْفِرِنْجِ، وَكَانَ الصُّلْحُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] فَلَمَّا انْتَظَمَ الصُّلْحُ وَعَادَ الْعَادِلُ إِلَى دِمَشْقَ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى مَارْدِينَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، فَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
ذِكْرُ وَفَاةِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ وَمُلْكِ وَلَدِهِ
فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ سَيْفُ الْإِسْلَامِ طُغْتِكِينُ بْنُ أَيُّوبَ، أَخُو صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ صَاحِبُ الْيَمَنِ، بِزَبِيدَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ مَلَكَ. وَكَانَ شَدِيدَ السِّيرَةِ، مُضَيِّقًا عَلَى رَعِيَّتِهِ، يَشْتَرِي أَمْوَالَ التُّجَّارِ لِنَفْسِهِ وَيَبِيعُهَا كَيْفَ شَاءَ.
وَأَرَادَ مُلْكَ مَكَّةَ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ إِلَى أَخِيهِ صَلَاحِ الدِّينِ فِي الْمَعْنَى، فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَجَمَعَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحْصَى، حَتَّى أَنَّهُ مِنْ كَثْرَتِهِ كَانَ يَسْبِكُ الذَّهَبَ وَيَجْعَلُهُ كَالطَّاحُونِ وَيَدَّخِرُهُ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلَ، وَكَانَ أَهْوَجَ، كَثِيرَ التَّخْلِيطِ بِحَيْثُ إِنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ قُرَشِيٌّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ بِالْخِلَافَةِ، وَتَلَقَّبَ بِالْهَادِي، فَلَمَّا سَمِعَ عَمُّهُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ ذَلِكَ، سَاءَهُ وَأَهَمَّهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ وَيُوَبِّخُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِالْعَوْدِ إِلَى نَسَبِهِ الصَّحِيحِ، وَبِتَرْكِ مَا ارْتَكَبَهُ مِمَّا يُضْحِكُ النَّاسَ مِنْهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ وَبَقِيَ كَذَلِكَ، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَسَاءَ السِّيرَةَ مَعَ أَجْنَادِهِ وَأُمَرَائِهِ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ أَمِيرًا مِنْ مَمَالِيكِ أَبِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute