الدِّينِ، فَلَمَّا وَصَلَ الْخَطَا إِلَى جَيْحُونَ، وَسَارَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى طُوسَ، عَازِمًا عَلَى قَصْدِ هَرَاةَ وَمُحَاصَرَتِهَا، وَعَبَرَ الْخَطَا النَّهْرَ، وَوَصَلُوا إِلَى بِلَادِ الْغَوْرِ مِثْلَ: كُرُزْبَانَ وَسُرْقَانَ وَغَيْرِهِمَا، وَقَتَلُوا وَأَسَرُوا وَنَهَبُوا وَسَبَوْا كَثِيرًا لَا يُحْصَى، فَاسْتَغَاثَ النَّاسُ بِغِيَاثِ الدِّينِ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ مَا يَلْقَاهُمْ بِهَا، فَرَاسَلَ الْخَطَا بَهَاءَ الدِّينِ سَامَ مَلِكَ بَامِيَانَ يَأْمُرُونَهُ بِالْإِفْرَاجِ عَنْ بَلْخَ، أَوْ أَنَّهُ يَحْمِلُ مَا كَانَ مَنْ قَبْلَهُ يَحْمِلُهُ مِنَ الْمَالِ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا فَعَلَهُ الْخَطَا، فَانْتُدِبَ الْأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرْبَكَ الْغُورِيُّ، وَهُوَ مُقْطَعُ الطَّالْقَانِ مِنْ قِبَلِ غِيَاثِ الدِّينِ، وَكَانَ شُجَاعًا، وَكَاتِبُ الْحُسَيْنِ بْنِ خَرْمِيلَ، وَكَانَ بِقَلْعَةِ كُرْزُبَانَ. وَاجْتَمَعَ مَعَهُمَا الْأَمِيرُ حَرُّوشٌ الْغُورِيُّ، وَسَارُوا بِعَسَاكِرِهِمْ إِلَى الْخَطَا، فَبَيَّتُوهُمْ، وَكَبَسُوهُمْ لَيْلًا، وَمِنْ عَادَةِ الْخَطَا أَنَّهُمْ لَا يُخْرِجُونَ مِنْ خِيَامِهِمْ لَيْلًا، وَلَا يُفَارِقُونَهَا، فَأَتَاهُمْ هَؤُلَاءِ الْغُورِيَّةُ وَقَاتَلُوهُمْ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِي الْخَطَا، وَانْهَزَمَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ مَنِ الْقَتْلِ، وَأَيْنَ يَنْهَزِمُونَ وَالْعَسْكَرُ الْغُورِيُّ خَلْفَهُمْ، وَجَيْحُونُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ! وَظَنَّ الْخَطَا أَنَّ غِيَاثَ الدِّينِ قَدْ قَصَدَهُمْ فِي عَسَاكِرِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَعَرَفُوا مَنْ قَاتَلَهُمْ وَعَلِمُوا أَنَّ غِيَاثَ الدِّينِ بِمَكَانِهِ، قَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ، وَثَبَتُوا [وَاقْتَتَلُوا] عَامَّةَ نَهَارِهِمْ، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ عَظِيمٌ، وَلَحِقَتِ الْمُتَطَوِّعَةُ بِالْغُورِيِّينَ، وَأَتَاهُمْ مَدَدٌ مِنْ غِيَاثِ الدِّينِ وَهُمْ فِي الْحَرْبِ، فَثَبَتَ الْمُسْلِمُونَ، وَعَظُمَتْ نِكَايَتُهُمْ فِي الْكُفَّارِ.
وَحَمَلَ الْأَمِيرُ حَرُّوشٌ عَلَى قَلْبِ الْخَطَا، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَأَصَابَهُ جِرَاحَةٌ تُوُفِّيَ مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ مَحْمُودَ بْنَ جَرْبَكَ وَابْنَ خَرْمِيلَ حَمَلَا فِي أَصْحَابِهِمَا، وَتَنَادَوْا: لَا يَرْمِ أَحَدٌ بِقَوْسٍ، وَلَا يَطْعَنُ بِرُمْحٍ، وَأَخَذُوا اللُّتُوتَ، وَحَمَلُوا عَلَى الْخَطَا فَهَزَمُوهُمْ وَأَلْحَقُوهُمْ بِجَيْحُونَ، فَمَنْ صَبَرَ قُتِلَ، وَمَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ غَرِقَ.
وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى مَلِكِ الْخَطَا، فَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ قَتَلْتَ رِجَالِي، وَأُرِيدُ عَنْ كُلِّ قَتِيلٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَكَانَ الْقَتْلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute