بِالْمَغْرِبِ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ يُقَالُ لَهُمُ الْجَرْمِيَّةُ، وَمَنْسُوبُونَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَرْمٍ، رَئِيسِ الظَّاهِرِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ مَغْمُورُونَ بِالْمَالِكِيَّةِ. فَفِي أَيَّامِهِ ظَهَرُوا وَانْتَشَرُوا، ثُمَّ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ اسْتَقْضَى الشَّافِعِيَّةُ عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ وَمَالَ إِلَيْهِمْ.
وَلَمَّا مَاتَ قَامَ ابْنُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ وَلَّاهُ عَهْدَهُ فِي حَيَاتِهِ، فَاسْتَقَامَ الْمُلْكُ وَأَطَاعَهُ النَّاسُ، وَجَهَّزَ جَمْعًا مِنَ الْعَرَبِ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الْأَنْدَلُسِ احْتِيَاطًا مِنَ الْفِرِنْجِ.
ذِكْرُ عِصْيَانِ أَهْلِ الْمَهْدِيَّةِ عَلَى يَعْقُوبَ وَطَاعَتِهَا لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ
كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ، صَاحِبُ الْمَغْرِبِ، لَمَّا عَادَ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَاسْتَعْمَلَ أَبَا سَعِيدٍ عُثْمَانَ، وَأَبَا عَلِيٍّ يُونُسَ بْنَ عُمَرَ ايِنْتِي، وَهَمَا وَأَبُوهُمَا مِنْ أَعْيَانِ الدَّوْلَةِ، فَوَلَّى عُثْمَانَ مَدِينَةَ تُونِسَ، وَوَلَّى أَخَاهُ الْمَهْدِيَّةَ، وَجَعَلَ قَائِدَ الْجَيْشِ بِالْمَهْدِيَّةِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ شُجَاعٌ مَشْهُورٌ، فَعَظُمَتْ نِكَايَتُهُ فِي الْعَرَبِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ يَخَافُهُ.
فَاتُّفِقَ أَنَّهُ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ طَائِفَةً مِنْ عَوْفٍ نَازِلُونَ بِمَكَانٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى جَازَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَائِدًا يَطْلُبُهُمْ، وَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِخُرُوجِهِ إِلَيْهِمْ، فَهَرَبُوا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَلَقَوْهُ أَمَامَهُمْ، فَهَرَبُوا وَتَرَكُوا الْمَالَ وَالْعِيَالَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فَأَخَذَ الْجَمِيعَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ وَسَلَّمَ الْعِيَالَ إِلَى الْوَالِي، وَأَخَذَ مِنَ الْأَسْلَابِ وَالْغَنِيمَةِ مَا شَاءَ، وَسَلَّمَ الْبَاقِيَ إِلَى الْوَالِي وَإِلَى الْجُنْدِ.
ثُمَّ إِنَّ الْعَرَبَ مِنْ بَنِي عَوْفٍ قَصَدُوا أَبَا سَعِيدِ بْنَ عُمَرَ ايِنْتِي، فَوُحِّدُوا، وَصَارُوا مِنْ حِزْبِ الْمُوَحِّدِينَ، وَاسْتَجَارُوا بِهِ فِي رَدِّ عِيَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَأَحْضَرَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ مَا أَخَذَ لَهُمْ مِنَ النِّعَمِ، فَقَالَ: أَخَذَهُ الْجُنْدُ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، فَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، وَأَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ، فَاسْتَمْهَلَهُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ وَيَسْتَرِدَّ مِنَ الْجُنْدِ مَا يَجِدُهُ عِنْدَهُمْ، وَمَا عُدِمَ مِنْهُ غَرِمَ الْعِوَضَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، فَأَمْهَلَهُ، فَعَادَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute