الْمَهْدِيَّةِ وَهُوَ خَائِفٌ، فَلَمَّا وَصَلَهَا جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَأَعْلَمَهُمْ مَا كَانَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَحَالَفَهُمْ عَلَى مُوَافَقَتِهِ، فَحَلَفُوا لَهُ، فَقَبْضَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ يُونُسَ، وَتَغَلَّبَ عَلَى الْمَهْدِيَّةِ وَمَلَكَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ فِي مَعْنَى إِطْلَاقِ أَخِيهِ يُونُسَ، فَأَطْلَقَهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا أَرْسَلَهَا إِلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ فَرَّقَهَا فِي الْجُنْدِ وَأَطْلَقَ يُونُسَ. وَجَمَعَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَسَاكِرَ، وَأَرَادَ قَصْدَهُ وَمُحَاصَرَتَهُ، فَأَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُلَثَّمِ، فَحَالَفَهُ وَاعْتَضَدَ بِهِ، فَامْتَنَعَ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ قَصْدِهِ.
وَمَاتَ يَعْقُوبُ، وَوَلِيَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، فَسَيَّرَ عَسْكَرًا مَعَ عَمِّهِ فِي الْبَحْرِ، وَعَسْكَرًا آخَرَ فِي الْبَرِّ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي حَفْصِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَلَمَّا وَصَلَ عَسْكَرُ الْبَحْرِ إِلَى بِجَايَةَ، وَعَسْكَرُ الْبَرِّ إِلَى قُسَنْطِينَةَ الْهَوَى، وَهَرَبَ الْمُلَثَّمُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَوَصْلَ الْأُسْطُولُ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، فَشَكَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ: أَنَا عَلَى طَاعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدٍ، وَلَا أُسَلِّمُهَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ، وَإِنَّمَا أُسَلِّمُهَا إِلَى مَنْ يَصِلُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَرْسَلَ مُحَمَّدٌ مَنْ يَتَسَلَّمُهَا مِنْهُ وَعَادَ إِلَى الطَّاعَةِ.
ذِكْرُ رَحِيلِ عَسْكَرِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ عَنْ مَارْدِينَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ زَالَ الْحِصَارُ عَنْ مَارْدِينَ، وَرَحَلَ عَسْكَرُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ عَنْهَا مَعَ وَلَدِهِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ الْعَادِلَ لَمَّا حَصَرَ مَارْدِينَ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَى نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَغَيْرِهِ مِنْ مُلُوكِ دِيَارِ بَكْرٍ وَالْجَزِيرَةِ، وَخَافُوا إِنْ مَلَكَهَا أَنْ لَا يُبْقِيَ عَلَيْهِمْ، إِلَّا أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ مَنْعِهِ [حَمَلَهُمْ] عَلَى طَاعَتِهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْعَزِيزُ، صَاحِبُ مِصْرَ، وَمَلَكَ الْأَفْضَلُ مِصْرَ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَادِلِ اخْتِلَافٌ، وَأَرْسَلَ أَحَدَ عَسْكَرِ مِصْرَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى نُورِ الدِّينِ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ إِلَى مُوَافَقَتِهِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا رَحَلَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ عَنْ مَارْدِينَ إِلَى دِمَشْقَ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - بَرَزَ نُورُ الدِّينِ أَرَسِلَانُ شَاه بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودٍ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، عَنْهَا ثَانِيَ شَعْبَانَ، وَسَارَ إِلَى دُنَيْسَرَ فَنَزَلَ عَلَيْهَا، وَوَافَقَهُ ابْنُ عَمِّهِ قُطْبُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ زِنْكِي بْنِ مَوْدُودٍ صَاحِبُ سِنْجَارَ، وَابْنُ عَمِّهِ الْآخَرِ مُعِزُّ الدِّينِ سَنْجَرُ شَاهْ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute