غَازِي بْنِ مَوْدُودٍ صَاحِبُ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فَاجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ بِدُنَيْسَرَ إِلَى أَنْ عَيَّدُوا عِيدَ الْفِطْرِ، ثُمَّ سَارُوا عَنْهَا سَادِسَ شَوَّالٍ وَنَزَلُوا بِحَرْزَمَ، وَتَقَدَّمَ الْعَسْكَرُ إِلَى تَحْتِ الْجَبَلِ لِيَرْتَادُوا مَوْضِعًا لِلنُّزُولِ.
وَكَانَ أَهْلُ مَارْدِينَ قَدْ عُدِمَتِ الْأَقْوَاتُ عِنْدَهُمْ، وَكَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ فِيهِمْ، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ كَانَ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ، فَلَمَّا رَأَى النِّظَامُ، وَهُوَ الْحَاكِمُ فِي دَوْلَةِ صَاحِبِهَا، ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الْعَادِلِ فِي تَسْلِيمِ الْقَلْعَةِ إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ذَكَرَهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يَدْخُلُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمِيرَةِ مَا يُقَوِّتُهُمْ، حَسْبُ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَتَحَالَفُوا عَلَيْهِ وَرَفَعُوا أَعْلَامَهُمْ إِلَى رَأْسِ الْقَلْعَةِ، وَجَعَلَ وَلَدُ الْعَادِلِ بِبَابِ الْقَلْعَةِ أَمِيرًا لَا يَتْرُكُ شَيْئًا يَدْخُلُهَا مِنَ الْأَطْعِمَةِ إِلَّا مَا يَكْفِيهِمْ يَوْمًا بِيَوْمٍ، فَأَعْطَى مَنْ بِالْقَلْعَةِ ذَلِكَ الْأَمِيرَ شَيْئًا، فَمَكَّنَهُمْ مِنْ إِدْخَالِ الذَّخَائِرِ الْكَثِيرَةِ.
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ خَبَرُ وُصُولِ نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَعَزَمُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ عَسْكَرُهُ إِلَى ذَيْلِ جَبَلِ مَارْدِينَ، قَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ الْمَلِكَ الْكَامِلَ بْنَ الْعَادِلِ نَزَلَ بِعَسْكَرٍ مِنْ رَبَضِ مَارْدِينَ إِلَى لِقَاءِ نُورِ الدِّينِ وَقِتَالِهِ، وَلَوْ أَقَامُوا بِالرَّبَضِ لَمْ يُمْكِنْ نُورَ الدِّينِ وَلَا غَيْرَهُ الصُّعُودُ إِلَيْهِمْ، وَلَا إِزَالَتَهُمْ، لَكِنْ نَزَلُوا لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، فَلَمَّا أَصْحَرُوا مِنَ الْجَبَلِ اقْتَتَلُوا، وَكَانَ مِنْ عَجِيبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّ قُطْبَ الدِّينِ - صَاحِبَ سِنْجَارَ - قَدْ وَاعَدَ الْعَسْكَرَ الْعَادِلِيَّ أَنْ يَنْهَزِمَ إِذَا الْتَقَوْا، وَلَمْ يُعْلِمْ بِذَلِكَ أَحَدًا مِنَ الْعَسْكَرِ، فَقَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ الْعَسْكَرُ الْعَادِلِيُّ وَاصْطَفَّتِ الْعَسَاكِرُ لِلْقِتَالِ أَلْجَأَتْ قُطْبَ الدِّينِ الضَّرُورَةُ بِالزَّحْمَةِ إِلَى أَنْ وَقَفَ فِي سَفْحِ شِعْبِ جَبَلِ مَارْدِينَ لَيْسَ إِلَيْهِ طَرِيقٌ لِلْعَسْكَرِ الْعَادِلِيِّ، وَلَا يَرَى الْحَرْبَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نُورِ الدِّينِ، فَفَاتَهُ مَا أَرَادَهُ مِنَ الِانْهِزَامِ، فَلَمَّا الْتَقَى الْعَسْكَرَانِ وَاقْتَتَلُوا، وَحَمَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ نُورُ الدِّينِ بِنَفْسِهِ، وَاصْطَلَى الْحَرْبُ، [فَأَلْقَى] النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَانْهَزَمَ الْعَسْكَرُ الْعَادِلِيُّ وَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ إِلَى الرَّبَضِ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، فَحَمَلُوا إِلَى بَيْنِ يَدَيْ نُورِ الدِّينِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَوَعَدَهُمُ الْإِطْلَاقَ إِذَا انْفَصَلُوا، وَلَمْ يَظُنَّ أَنَّ الْمَلِكَ الْكَامِلَ وَمَنْ مَعَهُ يَرْحَلُونَ عَنْ مَارْدِينَ سَرِيعًا، فَجَاءَهُمْ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسَابِ، فَإِنَّ الْمَلِكَ الْكَامِلَ لَمَّا صَعِدَ إِلَى الرَّبَضِ رَأَى أَهْلَ الْقَلْعَةِ قَدْ نَزَلُوا إِلَى الَّذِينَ جَعَلَهُمْ بِالرَّبَضِ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَقَاتَلُوهُمْ وَنَالُوا مِنْهُمْ وَنَهَبُوهُمْ، فَأَلْقَى اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute