للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمِيعِ، فَأَعْمَلُوا رَأْيَهُمْ عَلَى مُفَارَقَةِ الرَّبَضِ لَيْلًا، فَرَحَلُوا لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ سَابِعَ شَوَّالٍ، وَتَرَكُوا كَثِيرًا مِنْ أَثْقَالِهِمْ وَرِحَالِهِمْ وَمَا أَعَدُّوهُ، فَأَخَذَهُ أَهْلُ الْقَلْعَةِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْعَسْكَرُ الْعَادِلِيُّ بِمَكَانِهِ لَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُمْ.

وَلَمَّا رَحَلُوا نَزَلَ صَاحِبُ مَارْدِينَ حُسَامُ الدِّينِ يَوْلَقُ بْنُ إِيلِغَازِي إِلَى نُورِ الدِّينِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى حِصْنِهِ، وَعَادَ أَتَابِكُ إِلَى دُنَيْسَرَ، وَرَحَلَ عَنْهَا إِلَى رَأْسِ عَيْنٍ عَلَى عَزْمِ قَصْدِ حَرَّانَ وَحَصَرِهَا. فَأَتَاهُ الرَّسُولُ مِنَ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ يَطْلُبُ الْخُطْبَةَ وَالسِّكَّةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَتَغَيَّرَتْ نِيَّةُ نُورِ الدِّينِ، وَفَتَرَ عَزْمُهُ عَنْ نُصْرَتِهِمْ، فَعَزَمَ عَلَى الْعُودِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَهُوَ يُقَدِّمُ إِلَى الْعَرْضِ رِجْلًا وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى إِذْ أَصَابَهُ مَرَضٌ، فَتَحَقَّقَ عَزْمُ الْعُودِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَعَادَ إِلَيْهَا، وَأَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى الْمَلِكِ الْأَفْضَلِ وَالْمَلِكِ الظَّاهِرِ يَعْتَذِرُ عَنْ عَوْدِهِ بِمَرَضِهِ، فَوَصَلَ الرَّسُولُ ثَانِيَ ذِي الْحِجَّةِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى دِمَشْقَ.

وَكَانَ عَوْدُ نُورِ الدِّينِ مِنْ سَعَادَةِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَإِنَّهُ كَانَ هُوَ وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ يَنْتَظِرُونَ مَا يَجِيءُ مِنْ أَخْبَارِهِ. فَإِنَّ مَنْ بِحَرَّانَ اسْتَسْلَمُوا فَقَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّهُ عَادَ، فَلَمَّا عَادَ جَاءَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ إِلَى حَرَّانَ، وَكَانَ قَدْ سَارَ عَنْ مَارْدِينَ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، فَلَمَّا رَجَعَ نُورُ الدِّينِ سَارَ الْكَامِلُ إِلَى حَرَّانَ، وَسَارَ إِلَى أَبِيهِ بِدِمَشْقَ - عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ -، فَازْدَادَ بِهِ قُوَّةً، وَالْأَفْضَلُ وَمَنْ مَعَهُ ضَعْفًا.

ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِفَيْرُوزَكُوه مِنْ خُرَاسَانَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ فِتْنَةً عَظِيمَةً بِعَسْكَرِ غِيَاثِ الدِّينِ - مَلِكِ الْغَوْرِ وَغَزْنَةَ - وَهُوَ بِفَيْرُوزَكُوه، عَمَّتِ الرَّعِيَّةَ وَالْمُلُوكَ وَالْأُمَرَاءَ، وَسَبَبُهَا أَنَّ الْفَخْرَ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْحُسَيْنِ الرَّازِيَّ، الْإِمَامَ الْمَشْهُورَ، الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ، كَانَ قَدِمَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ مُفَارِقًا لِبَهَاءِ الدِّينِ سَامَ، صَاحِبِ بَامِيَانَ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ غِيَاثِ الدِّينِ، فَأَكْرَمَهُ غِيَاثُ الدِّينِ، وَاحْتَرَمَهُ، وَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِ، وَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً بِهَرَاةَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْجَامِعِ، فَقَصَدَهُ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْبِلَادِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَّامِيَّةِ، وَهُمْ كَثِيرُونَ بِهَرَاةَ، وَأَمَّا الْغُورِيَّةُ فَكُلُّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>