وَكَانَ عَاقِلًا، دَيِّنًا، خَيِّرًا، فَاضِلًا، يَعْرِفُ الْفِقْهَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَحْفَظُ مِنَ التَّارِيخِ وَالْأَشْعَارِ وَالْحِكَايَاتِ شَيْئًا كَثِيرًا. وَكَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ، يَصُومُ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ نَحْوَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَهُ أَوْرَادٌ كَثِيرَةٌ حَسَنَةٌ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَيُكْثِرُ الصَّدَقَةَ، وَكَانَ لَهُ فِرَاسَةٌ حَسَنَةٌ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ، وَيَعْرِفُ الْفُقَرَاءَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَيَبَرُّهُمْ، وَبَنَى عِدَّةَ جَوَامِعٍ مِنْهَا الْجَامِعُ الَّذِي بِظَاهِرِ الْمَوْصِلِ بِبَابِ الْجِسْرِ، وَبَنَى الرُّبُطَ وَالْمَدَارِسَ وَالْخَانَاتِ فِي الطُّرُقِ، وَلَهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْءٌ كَثِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَقَدْ كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الدُّنْيَا.
وَفِيهَا فَارَقَ غِيَاثُ الدِّينِ - صَاحِبُ غَزْنَةَ وَبَعْضِ خُرَاسَانَ - مَذْهَبَ الْكَرَّامِيَّةِ، وَصَارَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ يُعْرَفُ بِالْفَخْرِ مُبَارَكِ شَاه يَقُولُ الشِّعْرَ بِالْفَارِسِيَّةِ، مُتَفَنِّنًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ، فَأَوْصَلَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ الشَّيْخَ وَحِيدَ الدِّينِ أَبَا الْفَتْحِ مُحَمَّدَ بْنَ مَحْمُودٍ الْمَرْوَرُوذِيَّ الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ، فَأَوْضَحَ لَهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، وَبَيَّنَ لَهُ فَسَادَ مَذْهَبِ الْكَرَّامِيَّةِ، فَصَارَ شَافِعِيًّا، وَبَنَى الْمَدَارِسَ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَبَنَى بِغَزْنَةَ مَسْجِدًا لَهُمْ أَيْضًا، وَأَكْثَرَ مُرَاعَاتَهُمْ، فَسَعَى الْكَرَّامِيَّةُ فِي أَذَى وَحِيدِ الدِّينِ، فَلَمْ يُقَدِّرْهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ إِنَّ غِيَاثَ الدِّينِ وَأَخَاهُ شِهَابَ الدِّينِ لَمَّا مَلَكَا فِي خُرَاسَانَ قِيلَ لَهُمَا: إِنَّ النَّاسَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ يُزْرُونَ عَلَى الْكَرَّامِيَّةِ وَيَحْتَقِرُونَهُمْ، وَالرَّأْيُ أَنْ تُفَارِقُوا مَذَاهِبَهُمْ فَصَارَا شَافِعِيَّيْنِ
وَقِيلَ: إِنَّ شِهَابَ الدِّينِ كَانَ حَنَفِيًّا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضْلَانَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، وَكَانَ إِمَامًا فَاضِلًا، وَدَرَسَ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِ [مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى] نُجَىٍّ النَّيْسَابُورِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute