جُقَرُ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ فَوَعَدَهُ الْجَمِيلَ.
ثُمَّ حَضَرَ غِيَاثُ الدِّينِ إِلَى مَرْوَ بَعْدَ فَتْحِهَا، فَأَخَذَ جُقَرَ وَسَيَّرَهُ إِلَى هَرَاةَ مُكَرَّمًا، وَسَلَّمَ مَرْوَ إِلَى هِنْدُوخَانَ بْنِ مَلِكْشَاهْ بْنِ خُوَارِزْمَ شَاهْ تُكُشَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَرَبَهُ مِنْ عَمِّهِ خُوَارِزْمَ شَاهْ مُحَمَّدِ بْنِ تُكُشَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ، وَوَصَّاهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى أَهْلِهَا.
ثُمَّ سَارَ غِيَاثُ الدِّينِ إِلَى مَدِينَةِ سَرَخْسَ، فَأَخَذَهَا صُلْحًا، وَسَلَّمَهَا إِلَى الْأَمِيرِ زِنْكِي بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ عَمِّهِ وَأَقْطَعَهُ مَعَهَا نَسَا وَأَبِيوَرْدَ، ثُمَّ سَارَ بِالْعَسَاكِرِ إِلَى طُوسَ، فَأَرَادَ الْأَمِيرُ الَّذِي بِهَا أَنْ يَمْتَنِعَ فِيهَا وَلَا يُسَلِّمَهَا، فَأَغْلَقَ بَابَ الْبِلَادِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَبَلَغَ الْخُبْزُ ثَلَاثَةُ أَمْنَاءٍ بِدِينَارٍ رُكْنِيٍّ، فَضَجَّ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ وَسَيَّرَهُ إِلَى هَرَاةَ، وَلَمَّا مَلَكَهَا أَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ شَاهْ بْنِ خُوَارِزْمَ شَاهْ تُكُشَ، وَهُوَ نَائِبُ أَخِيهِ عَلَاءِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ بِنَيْسَابُورَ، يَأْمُرُهُ بِمُفَارَقَةِ الْبَلَدِ، وَيُحَذِّرُهُ إِنْ أَقَامَ سَطْوَةَ أَخِيهِ شِهَابِ الدِّينِ. وَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ شَاهْ عَسْكَرٌ مِنْ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَاتَّفَقُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَسْلِيمِ الْبَلَدِ، وَحَصَّنُوهُ، وَخَرَّبُوا مَا بِظَاهِرِهِ مِنَ الْعِمَارَةِ، وَقَطَعُوا الْأَشْجَارَ. وَسَارَ غِيَاثُ الدِّينِ إِلَى نَيْسَابُورَ، فَوَصَلَ إِلَيْهَا أَوَائِلَ رَجَبٍ، وَتَقَدَّمَ عَسْكَرُ أَخِيهِ شِهَابِ الدِّينِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا رَأَى غِيَاثُ الدِّينِ ذَلِكَ قَالَ لِوَلَدِهِ مَحْمُودٍ: قَدْ سَبَقَنَا عَسْكَرُ غَزْنَةَ بِفَتْحِ مَرْوَ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَفْتَحُوا نَيْسَابُورَ، فَيَحْصُلُونَ بِالِاسْمِ، فَاحْمِلْ إِلَى الْبَلَدِ. وَلَا تَرْجِعْ حَتَّى تَصِلَ إِلَى السُّورِ. فَحَمَلَ، وَحَمَلَ مَعَهُ وُجُوهُ الْغُورِيَّةِ، فَلَمْ يَرُدَّهُمْ أَحَدٌ مِنَ السُّورِ، حَتَّى أَصْعَدُوا عَلَمَ غِيَاثِ الدِّينِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى شِهَابُ الدِّينِ عَلَمَ أَخِيهِ عَلَى السُّورِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: اقْصُدُوا بِنَا هَذِهِ النَّاحِيَةَ وَاصْعَدُوا السُّورَ مِنْ هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فِيهِ، فَسَقَطَ السُّورُ مُنْهَدِمًا، فَضَجَّ النَّاسُ بِالتَّكْبِيرِ وَذُهِلَ الْخُوَارِزْمِيُّونَ وَأَهْلُ الْبَلَدِ، وَدَخَلَ الْغُورِيَّةُ الْبَلَدَ، وَمَلَكُوهُ عَنْوَةً وَنَهَبُوهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ فَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ: مَنْ نَهَبَ مَالًا أَوْ آذَى أَحَدًا فَدَمُهُ حَلَالٌ، فَأَعَادَ النَّاسُ مَا نَهَبُوهُ عَنْ آخِرِهِ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْدِقَائِنَا مِنَ التُّجَّارِ - وَكَانَ بِنَيْسَابُورَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ -: نُهِبَ مِنْ مَتَاعِي شَيْءٌ مِنْ جُمْلَتِهِ سُكَّرٌ، فَلَمَّا سَمِعَ الْعَسْكَرُ النِّدَاءَ رَدُّوا جَمِيعَ مَا أَخَذُوا مِنِّي، وَبَقِيَ لِي بِسَاطٌ وَشَيْءٌ مِنَ السُّكَّرِ، فَرَأَيْتُ السُّكَّرَ مَعَ جَمَاعَةٍ، فَطَلَبْتُهُ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: أَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute