ذِي الْقَعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ.
ذِكْرُ مُلْكِ شِهَابِ الدِّينِ نَهْرَوَالَهْ
لَمَّا سَارَ شِهَابُ الدِّينِ مِنْ خُرَاسَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، لَمْ يُقِمْ بِغَزْنَةَ، وَقَصَدَ بِلَادَ الْهِنْدِ، وَأَرْسَلَ مَمْلُوكَهُ قُطْبَ الدِّينِ أَيْبَكَ إِلَى نَهْرَوَالَهْ، فَوَصَلَهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَلَقِيَهُ عَسْكَرُ الْهُنُودِ، فَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَهَزَمَهُمْ أَيْبَكُ، وَاسْتَبَاحَ مُعَسْكَرَهُمْ، وَمَا لَهُمْ فِيهِ مِنَ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا، وَتَقَدَّمَ إِلَى نَهْرَوَالَهْ فَمَلَكَهَا عَنْوَةً، وَهَرَبَ مَلِكُهَا، فَجَمَعَ وَحَشَدَ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ.
وَعَلِمَ شِهَابُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهَا إِلَّا بِأَنْ يُقِيمَ هُوَ فِيهَا وَيُخَلِّيَهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَلَدَ عَظِيمٌ، هُوَ أَعْظَمُ بِلَادِ الْهِنْدِ، وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلًا، فَصَالَحَ صَاحِبَهَا عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ لَهُ عَاجِلًا وَآجِلًا، وَأَعَادَ عَسَاكِرَهُ عَنْهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى صَاحِبِهَا.
ذِكْرُ مُلْكِ رُكْنِ الدِّينِ مَلَطْيَةَ مِنْ أَخِيهِ وَأَرْزَنَ الرُّومِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، مَلَكَ رُكْنَ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ قِلْج أَرْسِلَانَ مَدِينَةَ مَلَطْيَةَ، وَكَانَتْ لِأَخِيهِ مُعِزِّ الدِّينِ قَيْصَرَ شَاهْ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَحَصَرَهُ أَيَّامًا وَمَلَكَهَا، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى أَرْزَنِ الرُّومِ، وَكَانَتْ لِوَلَدِ الْمَلِكِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صُلْتُقَ، وَهُمْ بَيْتٌ قَدِيمٌ قَدْ مَلَكُوا أَرْزَنَ الرُّومِ هَذِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَلَمَّا سَارَ إِلَيْهَا وَقَارَبَهَا خَرَجَ صَاحِبُهَا إِلَيْهِ ثِقَةً بِهِ لِيُقَرِّرَ مَعَهُ الصُّلْحَ عَلَى قَاعِدَةٍ يُؤْثِرُهَا رُكْنُ الدِّينِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَاعْتَقَلَهُ عِنْدَهُ وَأَخَذَ الْبَلَدَ، وَكَانَ هَذَا آخِرَ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ [مَلَكُوا] ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَزُولُ مُلْكُهُ أَبَدًا سَرْمَدًا.
ذِكْرُ وَفَاةِ سُقْمَانَ صَاحِبِ آمِدَ وَمُلْكِ أَخِيهِ مَحْمُودٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ قُطْبُ الدِّينِ سُقْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّا أَرْسِلَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ سُقْمَانَ، صَاحِبُ آمِدَ وَحِصْنِ كِيفَا، سَقَطَ مِنْ سَطْحِ جَوْسَقٍ كَانَ لَهُ بِظَاهِرِ حِصْنِ كِيفَا فَمَاتَ، وَكَانَ شَدِيدَ الْكَرَاهَةِ لِأَخِيهِ هَذَا، وَالنُّفُورِ عَنْهُ، قَدْ أَبْعَدَهُ وَأَنْزَلَهُ حِصْنَ مَنْصُورٍ فِي آخِرِ بِلَادِهِمْ، وَاتَّخَذَ مَمْلُوكًا اسْمُهُ إِيَاسٌ، فَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ، وَأَحَبَّهُ حُبًّا شَدِيدًا، وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ تَمَلَّكَ بَعْدَهُ عِدَّةَ أَيَّامٍ، وَتَهَدَّدَ وَزِيرًا كَانَ لِقُطْبِ الدِّينِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الدَّوْلَةِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى أَخِيهِ مَحْمُودٍ يَسْتَدْعُونَهُ، فَسَارَ مُجِدًّا، فَوَصَلَ إِلَى آمِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute