الدِّينِ، فَوَلَّاهُ مَدِينَةَ بُسْتَ، وَأَسْفِزَارَ، وَتِلْكَ النَّاحِيَةَ، وَجَعَلَهُ بِمَعْزِلٍ مِنَ الْمُلْكِ جَمِيعِهِ، وَلَمْ يُحْسِنِ الْخِلَافَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَبِيهِ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِهِ، فَمِنْ جُمْلَةِ فِعْلِهِ أَنَّ غِيَاثَ الدِّينِ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ كَانَتْ مُغَنِّيَةً، فَهَوِيَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا مَاتَ غِيَاثُ الدِّينِ قَبَضَ عَلَيْهَا وَضَرَبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا، وَضَرَبَ وَلَدَهَا غِيَاثَ الدِّينِ، وَزَوْجَ أُخْتِهَا، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَأَمْلَاكَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى بَلَدِ الْهِنْدِ، فَكَانُوا فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ، وَكَانَتْ قَدْ بَنَتْ مَدْرَسَةً، وَدَفَنَتْ فِيهَا أَبَاهَا وَأُمَّهَا وَأَخَاهَا، فَهَدَمَهَا وَنَبَشَ قُبُورَ الْمَوْتَى، وَرَمَى بِعِظَامِهِمْ مِنْهَا.
وَأَمَّا سِيرَةُ غِيَاثِ الدِّينِ وَأَخْلَاقُهُ ; فَإِنَّهُ كَانَ مُظَفَّرًا مَنْصُورًا فِي حُرُوبِهِ، لَمْ تَنْهَزِمْ لَهُ رَايَةٌ قَطُّ، وَكَانَ قَلِيلَ الْمُبَاشَرَةِ لِلْحُرُوبِ. وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ دَهَاءٌ وَمَكْرٌ، وَكَانَ جَوَادًا، حَسَنَ الِاعْتِقَادِ، كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْوُقُوفِ بِخُرَاسَانَ. بَنَى الْمَسَاجِدَ وَالْمَدَارِسَ بِخُرَاسَانَ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَبَنَى الْخَانَكَاهَاتِ فِي الطُّرُقِ. وَأَسَقَطُ الْمُكُوسَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إِلَى مَالِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَمَنْ مَاتَ [وَلَا وَارِثَ لَهُ تَصَدَّقَ بِمَا يُخَلِّفُهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ بَلَدٍ مَعْرُوفٍ وَمَاتَ] بِبَلَدِهِ يُسَلِّمُ مَالَهُ إِلَى أَهْلِ بَلَدِهِ مِنَ التُّجَّارِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُسَلِّمُهُ إِلَى الْقَاضِي، وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَصِلَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ.
وَكَانَ إِذَا وَصَلَ إِلَى بَلَدٍ عَمَّ إِحْسَانُهُ أَهْلَهُ وَالْفُقَهَاءَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ، يَخْلَعُ عَلَيْهِمْ، وَيَفْرِضُ لَهُمُ الْأُعْطَيَاتِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ خِزَانَتِهِ، وَيُفَرِّقُ الْأَمْوَالَ فِي الْفُقَرَاءِ، وَكَانَ يُرَاعِي كُلَّ مَنْ وَصَلَ إِلَى حَضْرَتِهِ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ وَالشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ فِيهِ فَضْلٌ غَزِيرٌ، وَأَدَبٌ مَعَ حُسْنِ خَطٍّ وَبَلَاغَةٍ، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْسَخُ الْمَصَاحِفَ بِخَطِّهِ وَيَقِفُهَا فِي الْمَدَارِسِ الَّتِي بَنَاهَا، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَعَصُّبٌ عَلَى مَذْهَبٍ، وَيَقُولُ: التَّعَصُّبُ فِي الْمَذَاهِبِ مِنَ الْمَلِكِ قَبِيحٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، فَهُوَ يَمِيلُ إِلَى الشَّافِعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْمِعَهُمْ فِي غَيْرِهِمْ، وَلَا أَعْطَاهُمْ مَا لَيْسَ لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute