ذِكْرُ عَوْدِ شِهَابِ الدِّينِ مِنَ الْهِنْدِ وَحَصْرِهِ خُوَارِزْمَ وَانْهِزَامِهِ مِنَ الْخَطَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَمَضَانَ، عَادَ شِهَابُ الدِّينِ الْغُورِيُّ إِلَى خُرَاسَانَ مِنْ قَصْدِ الْهِنْدِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ حَصْرُ خُوَارِزْمَ شَاهْ هَرَاةَ، وَمَوْتُ أَلْب غَازِي نَائِبَهُ بِهَا، فَعَادَ حَنِقًا عَلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَلَمَّا بَلَغَ مَيْمَنْدَ عَدَلَ عَلَى طَرِيقٍ أُخْرَى قَاصِدًا إِلَى خُوَارِزْمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خُوَارِزْمُ شَاهْ يَقُولُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَيَّ لِأُحَارِبَكَ، وَإِلَّا سِرْتُ إِلَى هَرَاةَ، وَمِنْهَا إِلَى غَزْنَةَ.
وَكَانَ خُوَارِزْمُ شَاهْ قَدْ سَارَ مِنْ سَرَخْسَ إِلَى مَرْوَ، فَأَقَامَ بِظَاهِرِهَا، فَأَعَادَ إِلَيْهِ شِهَابُ الدِّينِ جَوَابَهُ: لَعَلَّكَ تَنْهَزِمُ كَمَا فَعَلْتَ تِلْكَ الدَّفْعَةَ، لَكِنَّ خُوَارِزْمَ تَجْمَعُنَا، فَفَرَّقَ خُوَارِزْمُ شَاهْ عَسَاكِرَهُ، وَأَحْرَقَ مَا جَمَعَهُ مِنَ الْعَلَفِ، وَرَحَلَ يُسَابِقُ شِهَابَ الدِّينِ إِلَى خُوَارِزْمَ، فَسَبَقَهُ إِلَيْهَا، فَقَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَجْرَى الْمِيَاهَ فِيهَا، فَتَعَذَّرَ عَلَى شِهَابِ الدِّينِ سُلُوكُهَا، وَأَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُصْلِحُهَا حَتَّى أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إِلَى خُوَارِزْمَ، وَالتَقَى الْعَسْكَرَانِ بِسُوقَرَا، وَمَعْنَاهُ الْمَاءُ الْأَسْوَدُ، فَجَرَى بَيْنَهُمْ قِتَالٌ شَدِيدٌ كَثُرَ الْقَتْلَى فِيهِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَمِمَّنْ قُتِلَ مِنَ الْغُورِيَّةِ الْحُسَيْنُ الْمَرْغَنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأُسِرُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْخُوَارِزْمِيَّةِ. فَأَمَرَ شِهَابُ الدِّينِ بِقَتْلِهِمْ فَقُتِلُوا.
وَأَرْسَلَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى الْأَتْرَاكِ الْخَطَا يَسْتَنْجِدُهُمْ، وَهُمْ حِينَئِذٍ أَصْحَابُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَاسْتَعَدُّوا، وَسَارُوا إِلَى بِلَادِ الْغُورِيَّةِ، فَلَمَّا بَلَغَ شِهَابَ الدِّينِ ذَلِكَ عَادَ عَنْ خُوَارِزْمَ، فَلَقِيَ أَوَائِلَهُمْ فِي صَحْرَاءِ أَنْدَخُوِي أَوَّلَ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ، فَقَتَلَ فِيهِمْ وَأَسَرَ كَثِيرًا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي دَهَمَهُ مِنَ الْخَطَا مَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمْ، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ انْهَزَمَ الْحُسَيْنُ بْنُ خَرْمِيلَ صَاحِبُ طَالْقَانَ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ، وَبَقِيَ شِهَابُ الدِّينِ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، وَقَتَلَ بِيَدِهِ أَرْبَعَةَ أَفْيَالٍ لِأَنَّهَا أَعْيَتْ، وَأَخَذَ الْكُفَّارُ فِيلَيْنِ، وَدَخَلَ شِهَابُ الدِّينِ أَنْدَخُوِي فِيمَنَ مَعَهُ، وَحَصَرَهُ الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ فِيلًا آخَرَ، فَفَعَلَ وَخَلُصَ.
وَوَقَعَ الْخَبَرُ فِي جَمِيعِ بِلَادِهِ بِأَنَّهُ قَدْ عُدِمَ، وَكَثُرَتِ الْأَرَاجِيفُ بِذَلِكَ، ثُمَّ وَصَلَ إِلَى الطَّالْقَانِ فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ، وَقَدْ قُتِلَ أَكْثَرُ عَسْكَرِهِ، وَنُهِبَتْ خَزَائِنُهُ جَمِيعُهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَأَخْرَجَ لَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ خَرْمِيلَ صَاحِبُ الطَّالْقَانِ خِيَامًا وَجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute