وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى بَغْدَادَ، وَانْحَدَرَ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْبَدْرِ بْنُ أَمْسِينَا الْوَاسِطِيِّ لِإِصْلَاحِ الْحَالِ وَتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ مَحْمُودٍ عَلَى مِرْبَاطَ وَغَيْرِهَا مِنْ حَضْرَمَوْتَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَوْلَى إِنْسَانٌ اسْمُهُ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِيُّ عَلَى مَدِينَةِ مِرْبَاطَ وَظَفَارَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَإِنَّ ابْتِدَاءَ أَمْرِهِ أَنَّهُ لَهُ مَرْكَبٌ يَكْرِيهِ فِي الْبَحْرِ لِلتُّجَّارِ، ثُمَّ وَزَرَ لِصَاحِبِ مِرْبَاطَ، وَفِيهِ كَرَمٌ وَشَجَاعَةٌ وَحُسْنُ سِيرَةٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ صَاحِبُ مِرْبَاطَ مَلَكَ الْمَدِينَةَ بَعْدَهُ، وَأَطَاعَهُ النَّاسُ مَحَبَّةً لَهُ لِكَرْمِهِ وَسِيرَتِهِ، وَدَامَتْ أَيَّامُهُ بِهَا، فَلَمَّا كَانَ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ خَرَّبَ مِرْبَاطُ وَظَفَارُ، وَبَنَى مَدِينَةً جَدِيدَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِالْقُرْبِ مِنْ مِرْبَاطَ، وَعِنْدَهَا عَيْنٌ عَذْبَةٌ كَبِيرَةٌ أَجْرَاهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَعَمِلَ عَلَيْهَا سُورًا وَخَنْدَقًا، وَحَصَّنَهَا وَسَمَّاهَا الْأَحْمَدِيَّةَ، وَكَانَ يُحِبُّ الشِّعْرَ، وَيُكْثِرُ الْجَائِزَةَ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ أُسْطُولٌ مِنَ الْفِرِنْجِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَنَهَبُوا مَدِينَةَ فُوَّةَ، وَأَقَامُوا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَسْبُونَ وَيَنْهَبُونَ، وَعَسَاكِرُ مِصْرَ مُقَابِلَهُمْ، بَيْنَهُمُ النَّيْلُ، لَيْسَ لَهُمْ وَصُولٌ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُفُنٌ.
وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةً عَظِيمَةً عَمَّتْ أَكْثَرَ الْبِلَادِ مِصْرَ، وَالشَّامَ، وَالْجَزِيرَةَ، وَبِلَادَ الرُّومِ، وَصِقِلِّيَةَ، وَقُبْرُسَ، وَوَصَلَتْ إِلَى الْمَوْصِلِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمَا، وَخَرَّبَ مِنْ مَدِينَةِ صُورَ سُورَهَا وَأَثَّرَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الشَّامِ.
وَفِيهَا، فِي رَجَبٍ، اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ بِرِبَاطِ شَيْخِ الشُّيُوخِ بِبَغْدَادَ وَفِيهِمْ صُوفِيٌّ اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّارِيُّ مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِ الشُّيُوخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَمَعَهُمْ مُغَنٍّ يُغَنِّي وَيَقُولُ الشِّعْرَ:
عُوَيْذِلَتِي أَقْصَرِي ... كَفَى بِمَشِيبِي عَذَلْ
شَبَابٌ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ... وَشَيْبٌ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute