مَنْ أَخَذَهُ، وَأَخَذَ أَوْلَادَهُ مَعَهُ، فَقَتَلَهُ فَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ حَتَّى أَصَابَهُ الْقُولَنْجُ فَمَاتَ.
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ بَعْدَهُ عَلَى وَلَدِهِ قِلْج أَرْسِلَانَ وَكَانَ صَغِيرًا، فَبَقِيَ فِي الْمُلْكِ إِلَى بَعْضِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ، وَأُخِذَ مِنْهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ هُنَاكَ.
وَكَانَ رُكْنُ الدِّينِ شَدِيدًا عَلَى الْأَعْدَاءِ، قَيِّمًا بِأَمْرِ الْمُلْكِ، إِلَّا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَى فَسَادِ الِاعْتِقَادِ، كَانَ يُقَالُ إِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَذْهَبَهُ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ، وَكَانَ كُلُّ مَنْ يُرْمَى بِهَذَا الْمَذْهَبِ يَأْوِي إِلَيْهِ، وَلِهَذِهِ الطَّائِفَةِ مِنْهُ إِحْسَانٌ كَثِيرٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا يُحِبُّ سَتْرَ هَذَا الْمَذْهَبِ لِئَلَّا يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ.
حُكِيَ لِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ، وَكَانَ يُرْمَى بِالزَّنْدَقَةِ وَمَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، فَحَضَرَ يَوْمًا عِنْدَهُ فَقِيهٌ، فَتَنَاظَرَا، فَأَظْهَرَ شَيْئًا مِنَ اعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ، فَقَامَ الْفَقِيهُ إِلَيْهِ وَلَطَمَهُ وَشَتَمَهُ بِحَضْرَةِ رُكْنِ الدِّينِ، وَرُكْنُ الدِّينِ سَاكِتٌ، وَخَرَجَ الْفَقِيهُ فَقَالَ لِرُكْنِ الدِّينِ: يَجْرِي عَلَيَّ مِثْلُ هَذَا فِي حَضْرَتِكَ وَلَا تُنْكِرُهُ؟ فَقَالَ: لَوْ تَكَلَّمْتُ لَقُتِلْنَا جَمِيعًا، وَلَا يُمْكِنُ إِظْهَارُ مَا تُرِيدُهُ أَنْتَ فَفَارِقْهُ.
ذِكْرُ قَتْلِ الْبَاطِنِيَّةِ بِوَاسِطَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الْبَاطِنِيَّةُ بِوَاسِطَ ; وَسَبَبُ كَوْنِهِمْ بِهَا [وَقَتْلِهِمْ] أَنَّهُ وَرَدَ إِلَيْهَا رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالزَّكَمِ مُحَمَّدِ بْنِ طَالِبِ بْنِ عُصَيَّةَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَارُوبِ مِنْ قُرَى وَاسِطَ، وَكَانَ بَاطِنِيًّا مُلْحِدًا وَنَزَلَ مُجَاوِرًا لِدَوْرِ بَنِي الْهَرَوِيِّ، وَغَشِيَهُ النَّاسُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ.
وَكَانَ مِمَّنْ يَغْشَاهُ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِحَسَنِ الصَّابُونِيِّ، فَاتُّفِقَ أَنَّهُ اجْتَازَ بِالسُّوَيْقَةِ، فَكَلَّمَهُ رِجْلٌ نَجَّارٌ فِي مَذْهَبِهِمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الصَّابُونِيُّ رَدًّا غَلِيظًا، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّجَّارُ وَقَتَلَهُ، وَتَسَامَعَ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَوَثَبُوا وَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ. وَقَصَدُوا دَارَ ابْنِ عُصَيَّةَ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ خَلْقٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَغْلَقُوا الْبَابَ وَصَعِدُوا إِلَى سَطْحِهَا وَمَنَعُوا النَّاسَ عَنْهُمْ، فَصَعِدُوا إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ الدُّورِ مِنْ عَلَى السَّطْحِ، وَتَحَصَّنَ مَنْ بَقِيَ فِي الدَّارِ بِإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ وَالْمَمَارِقِ فَكَسَرُوهَا، وَنَزَلُوا فَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا فِي الدَّارِ وَأَحْرَقُوا، وَقُتِلَ ابْنُ عُصَيَّةَ، وَفُتِحَ الْبَابُ وَهَرَبَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ فَقُتِلُوا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute