فَقَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ أَهْلَ مَدِينَةِ أَقْصَرَا وَثَبُوا عَلَى الْوَالِي فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا وَنَادَوْا بِشِعَارِ غِيَاثِ الدِّينِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ قُونِيَةَ بِمَا فَعَلَهُ أَهْلُ أَقْصَرَا قَالُوا: نَحْنُ أَوْلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا، لِأَنَّهُ كَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ فِيهِمْ لَمَّا كَانَ مَالِكَهُمْ، فَنَادَوْا بِاسْمِهِ أَيْضًا، وَأَخْرَجُوا مَنْ عِنْدِهِمْ، وَاسْتَدْعَوْهُ فَحَضَرَ عِنْدَهُمْ، وَمَلَكَ الْمَدِينَةَ وَقَبَضَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ وَمَنْ مَعَهُ، وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، وَجَمَعَ لَهُ الْبِلَادَ جَمِيعَهَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَسُبْحَانَ مَنْ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ! .
وَكَانَ أَخُوهُ قَيْصَرُ شَاهِ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ مَلَطْيَةَ، لَمَّا أَخَذَهَا رُكْنُ الدِّينِ مِنْهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، خَرَجَ مِنْهَا، وَقَصَدَ الْمَلِكَ الْعَادِلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَيُّوبَ ; لِأَنَّهُ كَانَ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ مُسْتَنْصِرًا بِهِ، فَأَمَرَهُ بِالْمُقَامِ بِمَدِينَةِ الرُّهَا، فَأَقَامَ بِهَا فَلَمَّا سَمِعَ بِمُلْكِ أَخِيهِ غِيَاثِ الدِّينِ سَارَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ قَبُولًا، إِنَّمَا أَعْطَاهُ شَيْئًا وَأَمَرَهُ بِمُفَارَقَةِ الْبِلَادِ، فَعَادَ إِلَى الرُّهَا وَأَقَامَ بِهَا، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ مُلْكُ [غِيَاثِ الدِّينِ سَارَ إِلَيْهِ الْأَفْضَلُ صَاحِبُ] سُمَيْسَاطَ، (فَلَقِيَهُ بِمَدِينَةِ قَيْسَارِيَةَ) وَقَصَدَهُ أَيْضًا نِظَامُ الدِّينِ صَاحِبُ خَرْتَ بِرْتَ، وَصَارَ مَعَهُ، فَعَظُمَ شَأْنُهُ وَقَوِيَ أَمْرُهُ.
ذِكْرُ حَصْرِ صَاحِبِ آمِدَ خَرْتَ بِرْتَ وَرُجُوعِهِ عَنْهَا
كَانَتْ خَرْتَ بِرْتَ لِعِمَادِ الدِّينِ بْنِ قُرَّا أَرْسِلَانَ، فَمَاتَ، وَمَلَكَهَا بَعْدَهُ ابْنُهُ نِظَامُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ، وَالْتَجَأَ إِلَى رُكْنِ الدِّينِ بْنِ قِلْج أَرْسِلَانَ، وَبَعْدَهُ إِلَى أَخِيهِ غِيَاثِ الدِّينِ لِيَمْتَنِعَ بِهِ مِنِ ابْنِ عَمِّهِ نَاصِرِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّا أَرْسِلَانَ، فَامْتَنَعَ بِهِ.
وَكَانَ صَاحِبُ آمِدَ مُلْتَجِئًا إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَفِي طَاعَتِهِ، وَحَضَرَ مَعَ ابْنِهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ قِتَالَ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ يَسِيرُ مَعَهُ فِي عَسَاكِرِهِ، وَيَأْخُذُ لَهُ خَرْتَ بِرْتَ، وَإِنَّمَا طَمِعَ فِيهَا بِمَوْتِ رُكْنِ الدِّينِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ هَذِهِ السَّنَةُ طَلَبَ مَا كَانَ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، فَسَارَ مَعَهُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ وَعَسَاكِرُ دِيَارِ الْجَزِيرَةِ مِنْ سِنْجَارَ، وَجَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْمَوْصِلِ، وَغَيْرِهَا، وَكَانَ نُزُولُهُمْ عَلَيْهَا فِي شَعْبَانَ، وَفِي رَمَضَانَ تَسَلَّمُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute