رَبَضَهَا، وَكَانَ صَاحِبُهَا قَدِ اجْتَمَعَ بِغِيَاثِ الدِّينِ، بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْبِلَادَ الرُّومِيَّةَ، وَصَارَ مَعَهُ فِي طَاعَتِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ صَاحِبُ آمِدَ عَلَى خَرْتَ بِرْتَ خَاطَبَ صَاحِبُهَا غِيَاثَ الدِّينِ يُنْجِدُهُ بِعَسْكَرٍ يُرَحِّلُهُمْ عَنْهُ، فَجَهَّزَ عَسْكَرًا كَثِيرًا عُدْتُهُمْ سِتَّةُ آلَافِ فَارِسٍ، وَسَيَّرَهُمْ [مَعَ] الْمَلِكِ الْأَفْضَلِ عَلِيِّ بْنِ صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ صَاحِبُ سُمَيْسَاطَ، فَلَمَّا وَصَلَ الْعَسْكَرُ إِلَى مَلَطْيَةَ فَارَقَ صَاحِبُ آمِدَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ خَرْتَ بِرْتَ، وَنَزَلُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَحَصَرُوا الْبُحَيْرَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِبُحَيْرَةِ سِمْنِينَ وَبِهَا حِصْنَانِ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِ خَرْتَ بِرْتَ، فَحَصَرَهُ وَزَاحَفَهُ، فَفَتَحَهُ ثَانِيَ ذِي الْحِجَّةِ.
وَوَصَلَ صَاحِبُ خَرْتَ بِرْتَ مَعَ الْعَسْكَرِ الرُّومِيِّ إِلَى خَرْتَ بِرْتَ، فَرَحَلَ صَاحِبُ آمِدَ عَنِ الْبُحَيْرَةِ وَقَوَّى الْحِصْنَ الَّذِي فَتَحَهُ فِيهَا، فَأَزَاحَ عِلَّتَهُ، وَرَحَلَ إِلَى خَلْفِ مَرْحَلَةٍ وَنَزَلَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ، وَالْعَسْكَرُ الرُّومِيُّ يَطْلُبُ الْبُحَيْرَةَ، وَصَاحِبُ آمِدَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ بَقِيَ الْحِصْنُ بِيَدِ صَاحِبِ آمِدَ، وَانْفَصَلَ الْعَسْكَرَانِ، وَعَادَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلَى بِلَادِهِ.
ذِكْرُ الْفِتَنِ بِبَغْدَادَ
فِي سَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ جَرَتْ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ أَهْلِ بَابِ الْأَزَجِ وَأَهْلِ الْمَأْمُونِيَّةِ، وَسَبَبُهَا أَنَّ أَهْلَ بَابِ الْأَزَجِ قَتَلُوا سَبْعًا وَأَرَادُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُ الْمَأْمُونِيَّةِ، فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْبُسْتَانِ الْكَبِيرِ، فَجُرِحَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَرَكِبَ صَاحِبُ الْبَابِ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَجُرِحَ فَرَسُهُ فَعَادَ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ سَارَ أَهْلُ الْمَأْمُونِيَّةِ إِلَى أَهْلِ بَابِ الْأَزَجِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ شَدِيدَةٌ وَقِتَالٌ بِالسُّيُوفِ وَالنُّشَّابِ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ، فَنُهِبَتِ الدُّورُ الْقَرِيبَةُ مِنْهُمْ، وَسَعَى الرُّكْنُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ وَيُوسُفُ الْعَقَّابُ فِي تَسْكِينِ النَّاسِ، وَرَكِبَ الْأَتْرَاكُ، فَصَارُوا يَبِيتُونَ تَحْتَ الْمَنْظَرَةِ، فَامْتَنَعَ أَهْلُ الْفِتْنَةِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، فَسَكَنُوا.
وَفِي الْعِشْرِينَ مِنْهُ جَرَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ أَهْلِ قَطُفْتَا وَالْقَرْيَةِ، مِنْ مَحَالِّ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، بِسَبَبِ قَتْلِ سَبُعٍ أَيْضًا، أَرَادَ أَهْلُ قَطُفْتَا أَنْ يَجْتَمِعُوا وَيَطُوفُوا بِهِ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَنْ يَجُوزُوا بِهِ عِنْدَهُمْ، فَاقْتَتَلُوا، وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ عِدَّةُ قَتْلَى، فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرٌ مِنَ الدِّيوَانِ لِتَلَافِي الْأَمْرِ وَمَنْعِ النَّاسِ عَنِ الْفِتْنَةِ، فَامْتَنَعُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute