إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ، لِيَتَجَهَّزَ بِهِ لِحَرْبِ الْخَطَا، فَأَجَابَ أَنَّ أَوْلَادَ كَوْكَرَ قَدْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَلَا يُمْكِنُهُ إِرْسَالُ الْمَالِ، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ التُّجَّارِ، وَذَكَرُوا أَنَّ قَفَلًا كَبِيرًا أَخَذَهُ أَوْلَادُ كَوْكَرَ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَأَمَرَ شِهَابُ الدِّينِ مَمْلُوكَهُ أَيْبَكَ - مُقَدَّمَ عَسَاكِرِ الْهِنْدِ - أَنْ يُرَاسِلَ بَنِي كَوْكَرَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَيَتَهَدَّدُهُمْ إِنْ لَمْ يُجِيبُوا إِلَى ذَلِكَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ كَوْكَرَ: لِأَيِّ مَعْنًى لَمْ يُرْسِلِ السُّلْطَانُ إِلَيْنَا رَسُولًا؟ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: وَمَا قَدْرُكُمْ أَنْتُمْ حَتَّى يُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا مَمْلُوكُهُ يُبَصِّرُكُمْ رُشْدَكُمْ، وَيُهَدِّدُكُمْ. فَقَالَ ابْنُ كَوْكَرَ: لَوْ كَانَ شِهَابُ الدِّينِ حَيًّا لَرَاسَلَنَا، وَقَدْ كُنَّا نَدْفَعُ الْأَمْوَالَ إِلَيْهِ، فَحَيْثُ عُدِمَ فَقُلْ لِأَيْبَكَ يَتْرُكُ لَنَا لَهَاوُورَ وَمَا وَالَاهَا، وَفَرْشَابُورَ، وَنَحْنُ نُصَالِحُهُ. فَقَالَ الرَّسُولُ: أَنْفِذْ أَنْتَ جَاسُوسًا تَثِقُ بِهِ فَيَأْتِيكَ بِخَبَرِ شِهَابِ الدِّينِ مِنْ فَرْشَابُورَ، فَلَمْ يُصْغِ إِلَى قَوْلِهِ، فَرَدَّهُ، فَعَادَ وَأَخْبَرَ بِمَا سَمِعَ وَرَأَى، فَأَمَرَ شِهَابُ الدِّينِ مَمْلُوكَهُ قُطْبَ الدِّينِ أَيْبَكَ بِالْعَوْدِ إِلَى بِلَادِهِ، وَجَمْعِ الْعَسَاكِرِ، وَقِتَالِ بَنِي كَوْكَرَ، فَعَادَ إِلَى دَهْلِي، وَأَمَرَ عَسَاكِرَهُ بِالِاسْتِعْدَادِ، فَأَقَامَ شِهَابُ الدِّينِ فِي فَرْشَابُورَ إِلَى نِصْفِ شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَى غَزْنَةَ فَوَصَلَهَا أَوَّلَ رَمَضَانَ، وَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ فِي الْعَسَاكِرِ بِالتَّجَهُّزِ لِقِتَالِ الْخَطَا، وَأَنَّ الْمَسِيرَ يَكُونُ أَوَّلَ شَوَّالٍ، فَتَجَهَّزُوا لِذَلِكَ.
فَاتُّفِقَ أَنَّ الشِّكَايَاتِ كَثُرَتْ مِنْ بَنِي كَوْكَرَ وَمَا يَتَعَهَّدُونَهُ مِنْ إِخَافَةِ السُّبُلِ وَأَنَّهُمْ قَدْ أَنْفَذُوا شِحْنَةً إِلَى الْبِلَادِ، وَوَافَقَهُمْ أَكْثَرُ الْهُنُودِ، وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ أَمِيرِ لَهَاوُورَ وَالْمُولِتَانِ وَغَيْرِهِمَا.
وَوَصَلَ كِتَابُ الْوَالِي يَذْكُرُ مَا قَدْ دَهَمَهُ مِنْهُمْ، وَأَنَّ عُمَّالَهُ قَدْ أَخْرَجَهُمْ بَنُو كَوْكَرَ، وَجَبُوا الْخَرَاجَ، وَأَنَّ ابْنَ كَوْكَرَ مُقَدَّمَهُمْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لِيَتْرُكَ لَهُ لَهَاوُورَ وَالْبِلَادَ وَالْفِيَلَةَ وَيَقُولُ أَنْ يَحْضُرَ شِهَابٌ وَإِلَّا قَتَلَهُ، وَيَقُولُ: إِنْ لَمْ يَحْضُرِ السُّلْطَانُ شِهَابُ الدِّينِ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ وَإِلَّا خَرَجَتِ الْبِلَادُ مِنْ يَدِهِ.
وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْجُمُوعِ، وَمَا لَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ، فَتَغَيَّرَ عَزْمُ شِهَابِ الدِّينِ حِينَئِذٍ عَنْ غَزْوِ الْخَطَا، وَأَخْرَجَ خِيَامَهُ وَسَارَ عَنْ غَزْنَةَ خَامِسَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّمِائَةٍ، فَلَمَّا سَارَ وَأَبْعَدَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ عَنِ النَّاسِ بِغَزْنَةَ وَفَرْشَابُورَ، حَتَّى أَرْجَفَ النَّاسُ بِانْهِزَامِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute