وَكَانَ شِهَابُ الدِّينِ لَمَّا سَارَ عَنْ فَرْشَابُورَ أَتَاهُ خَبَرُ ابْنِ كَوْكَرَ أَنَّهُ نَازِلٌ فِي عَسَاكِرِهِ مَا بَيْنَ جَيْلَمَ وَسُودَرَةَ، فَجَدَّ السَّيْرَ إِلَيْهِ، فَدَهَمَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُقَدَّرُ وُصُولُهُ فِيهِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا يَوْمَ الْخَمِيسِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى الْعَصْرِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْقِتَالِ أَقْبَلَ قُطْبُ الدِّينِ أَيْبَكْ فِي عَسَاكِرِهِ، فَنَادَوْا بِشِعَارِ الْإِسْلَامِ، وَحَمَلُوا حَمْلَةً صَادِقَةً، فَانْهَزَمَ الْكَوْكَرِيَّةُ وَمَنِ انْضَمَّ إِلَيْهِمْ وَقُتِلُوا بِكُلِّ مَكَانٍ، وَقَصَدُوا أَجَمَةً هُنَاكَ، فَاجْتَمَعُوا بِهَا، وَأَضْرَمُوا نَارًا، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: لَا تَتْرُكِ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُونَكَ، ثُمَّ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَيُلْقِي صَاحِبُهُ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فِيهَا، فَعَمَّهُمُ الْفَنَاءُ قَتْلًا وَحَرْقًا، {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: ٤١] .
وَكَانَ أَهْلُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ مَعَهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهَا، فَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، حَتَّى إِنَّ الْمَمَالِيكَ كَانُوا يُبَاعُونَ كُلُّ خَمْسَةٍ بِدِينَارٍ رُكْنِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَهَرَبَ ابْنُ كَوْكَرَ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ إِخْوَتُهُ وَأَهْلُهُ.
وَأَمَّا ابْنُ دَانْيَالَ، صَاحِبُ جَبَلِ الْجُودِيِّ، فَإِنَّهُ جَاءَ لَيْلًا إِلَى قُطْبِ الدِّينِ أَيْبَكْ، فَاسْتَجَارَ بِهِ، فَأَجَارَهُ، وَشَفَعَ فِيهِ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ، فَشَفَّعَهُ فِيهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ قَلْعَةَ الْجُودِيِّ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ سَارَ نَحْوَ لَهَاوُورَ لِيُأَمِّنَ أَهْلَهَا وَيُسَكِّنَ رَوْعَهُمْ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالرُّجُوعِ إِلَى بِلَادِهِمْ وَالتَّجَهُّزِ لِحَرْبِ بِلَادِ الْخَطَا، وَأَقَامَ شِهَابُ الدِّينِ بِلَهَاوُورَ إِلَى سَادِسَ عَشَرَ رَجَبٍ، وَعَادَ نَحْوَ غَزْنَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى بَهَاءِ الدِّينِ سَامَ، صَاحِبِ بَامِيَانَ، لِيَتَجَهَّزَ لِلْمَسِيرِ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، وَيَعْمَلَ جِسْرًا لِيَعْبُرَ هُوَ وَعَسَاكِرُهُ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ الظَّفَرِ بِالتِّيرَاهِيَّةِ
كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَارِجِينَ الْمُفْسِدِينَ أَيْضًا عَلَى شِهَابِ الدِّينِ التِّيرَاهِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ خَرَجُوا إِلَى حُدُودِ سُورَانَ وَمَكْرَهَانَ لِلْغَارَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ نَائِبُ تَاجِ الدِّينِ أَلْدِزَ، مَمْلُوكُ شِهَابِ الدِّينِ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَيُعْرَفُ بِالْحَلْحِي، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَحَمَلَ رُءُوسَ الْمَعْرُوفِينَ فَعُلِّقَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ.
وَكَانَتْ فِتْنَةُ هَؤُلَاءِ التِّيرَاهِيَّةِ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ عَظِيمَةً قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَكَانُوا إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute