وَقَعَ بِأَيْدِيهِمْ أَسِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَذَّبُوهُ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ.
وَكَانَ أَهْلُ فَرْشَابُورَ مَعَهُمْ فِي ضُرٍّ شَدِيدٍ لِأَنَّهُمْ يُحِيطُونَ بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا، لَا سِيَّمَا آخِرَ أَيَّامِ بَيْتِ سُبُكْتِكِينَ، فَإِنَّ الْمُلُوكَ ضَعُفُوا وَقَوِيَ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَكَانُوا كُفَّارًا لَا دِينَ لَهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَلَا مَذْهَبَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ بِنْتٌ وَقَفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَنَادَى: مَنْ يَتَزَوَّجُ هَذِهِ؟ مَنْ يَقْبَلُهَا؟ فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ تَرَكَهَا وَإِلَّا قَتَلَهَا، وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ عِدَّةُ أَزْوَاجٍ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمْ عِنْدَهَا جَعَلَ مَدَاسَهُ عَلَى الْبَابِ، فَإِذَا جَاءَ غَيْرُهُ مِنْ أَزْوَاجِهَا وَرَأَى مَدَاسَهُ عَادَ.
وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَسْلَمَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ آخِرَ أَيَّامِ شِهَابِ الدِّينِ الْغُورِيِّ، فَكَفُّوا عَنِ الْبِلَادِ.
وَسَبَبُ إِسْلَامِهِمْ أَنَّهُمْ أَسَرُوا إِنْسَانًا مِنْ فَرْشَابُورَ، فَعَذَّبُوهُ فَلَمْ يَمُتْ، وَدَامَتْ أَيَّامُهُ عِنْدَهُمْ، فَأَحْضَرَهُ يَوْمًا مُقَدَّمُهُمْ وَسَأَلَهُ عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: لَوْ حَضَرْتُ أَنَا عِنْدَ شِهَابِ الدِّينِ مَاذَا كَانَ يُعْطِينِي، فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ: كَانَ يُعْطِيكَ الْأَمْوَالَ وَالْأَقْطَاعَ وَيَرُدُّ إِلَيْكَ حُكْمَ جَمِيعِ الْبِلَادِ الَّتِي لَكُمْ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَعَادَهُ وَمَعَهُ رَسُولٌ بِالْخِلَعِ وَالْمَنْشُورِ بِالْأَقْطَاعِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ سَارَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ، فَأَسْلَمُوا وَعَادُوا، وَكَانَ لِلنَّاسِ بِهِمْ رَاحَةٌ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْفِتْنَةُ وَاخْتَلَفَتِ الْبِلَادُ نَزَلَ أَكْثَرُهُمْ مِنَ الْجِبَالِ، فَلَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ بِهِمْ قُدْرَةٌ لِيَمْنَعُوهُمْ، فَأَفْسَدُوا وَعَمِلُوا مَا ذَكَرْنَاهُ.
ذِكْرُ قَتْلِ شِهَابِ الدِّينِ الْغُورِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَعْبَانَ قُتِلَ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ سَامَ الْغُورِيُّ مَلِكُ غَزْنَةَ وَبَعْضِ خُرَاسَانَ بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ لَهَاوُورَ، بِمَنْزِلٍ يُقَالُ لَهُ دُمَيْلٌ، وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ.
وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْكُفَّارِ الْكَوْكَرِيَّةِ لَزِمُوا عَسْكَرَهُ عَازِمِينَ عَلَى قَتْلِهِ، لِمَا فَعَلَ بِهِمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالسَّبْيِ، فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَكَانَ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute