للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَادَ وَمَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحَدُّ، فَإِنَّهُ كَانَ عَازِمًا عَلَى قَصْدِ الْخَطَا، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْعَسَاكِرِ، وَتَفْرِيقِ الْمَالِ فِيهِمْ، وَقَدْ أَمَرَ عَسَاكِرَهُ بِالْهِنْدِ بِاللَّحَاقِ بِهِ، وَأَمَرَ عَسَاكِرَهُ الْخُرَاسَانِيَّةَ بِالتَّجَهُّزِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ، فَأَتَاهُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبْ، وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ مَا جَمَعَ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ وَرِجَالٍ، لَكِنْ كَانَ عَلَى نِيَّةٍ صَالِحَةٍ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ.

فَلَمَّا تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَبَقِيَ وَحْدَهُ فِي خَرْكَاه، ثَارَ أُولَئِكَ النَّفَرُ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمْ بَعْضَ الْحُرَّاسِ بِبَابِ سُرَادِقِ شِهَابِ الدِّينِ، فَلَمَّا قَتَلُوهُ صَاحَ، فَثَارَ أَصْحَابُهُ مِنْ حَوْلِ السُّرَادِقِ لِيَنْظُرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ، فَأَخْلَوْا مَوَاقِفَهُمْ، وَكَثُرَ الزِّحَامُ، فَاغْتَنَمَ الْكَوْكَرِيَّةُ غَفْلَتَهُمْ عَنِ الْحِفْظِ، فَدَخَلُوا عَلَى شِهَابِ الدِّينِ وَهُوَ فِي الْخَرْكَاه، فَضَرَبُوهُ بِالسَّكَاكِينِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ ضَرْبَةً فَقَتَلُوهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَوَجَدُوهُ عَلَى مُصَلَّاهُ قَتِيلًا وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَخَذُوا أُولَئِكَ الْكُفَّارَ فَقَتَلُوهُمْ، وَكَانَ فِيهِمُ اثْنَانِ مَخْتُونَانِ.

وَقِيلَ إِنَّمَا قَتَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ لِأَنَّهُمْ خَافُوا خُرُوجَهُ إِلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَ لَهُ عَسْكَرٌ يُحَاصِرُ بَعْضَ قِلَاعِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

فَلَمَّا قُتِلَ اجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ عِنْدَ وَزِيرِهِ مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ بْنِ خُوجَا سِجِسْتَانَ، فَتَحَالَفُوا عَلَى حِفْظِ الْخِزَانَةِ وَالْمُلْكِ، وَلُزُومِ السَّكِينَةِ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ، وَأَجْلَسُوا شِهَابَ الدِّينِ وَخَيَّطُوا جِرَاحَهُ وَجَعَلُوهُ فِي الْمِحَفَّةِ وَسَارُوا بِهِ، وَرَتَّبَ الْوَزِيرُ الْأُمُورَ، وَسَكَّنَ النَّاسَ بِحَيْثُ لَمْ تُرَقْ مِحْجَمَةُ دَمٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَحَدٍ شَيْءٌ.

وَكَانَتِ الْمِحَفَّةُ مَحْفُوفَةً بِالْحَشَمِ، وَالْوَزِيرِ، وَالْعَسْكَرِ، وَالشَّمِسَةِ، عَلَى حَالِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ الْوَزِيرُ إِلَى أَمِيرِ دَاذَ الْعَسْكَرِ بِإِقَامَةِ السِّيَاسَةِ، وَضَبْطِ الْعَسْكَرِ، وَكَانَتِ الْخِزَانَةُ الَّتِي فِي صُحْبَتِهِ أَلْفَيْ حِمْلٍ وَمِائَتَيْ حِمْلٍ، وَشَغِبَ الْغِلْمَانُ الْأَتْرَاكُ الصِّغَارُ لِيَنْهَبُوا الْمَالَ، فَمَنَعَهُمُ الْوَزِيرُ وَالْأُمَرَاءُ الْكِبَارُ مِنَ الْمَمَالِيكِ، وَهُوَ صُونَجُ صِهْرُ أَلْدِزَ وَغَيْرُهُ، وَأَمَرُوا كُلَّ مَنْ لَهُ إِقْطَاعٌ عِنْدَ قُطْبِ الدِّينِ أَيْبَكَ مَمْلُوكِ شِهَابِ الدِّينِ بِبِلَادِ الْهِنْدِ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ، وَفَرَّقُوا فِيهِمْ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَعَادُوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>