عِنْدَهُ، بِحَيْثُ إِنَّ أَهْلَ شِهَابِ الدِّينِ كَانُوا يَخْدِمُونَهُ وَيَقْصِدُونَهُ فِي أَشْغَالِهِمْ، فَلَمَّا قُتِلَ صَاحِبُهُ طَمِعَ أَنْ يَمْلِكَ غَزْنَةَ، فَأَوَّلُ مَا عَمِلَ أَنَّهُ سَأَلَ الْوَزِيرَ مُؤَيَّدَ الْمُلْكِ عَنِ الْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ وَبِالْبَاقِي مَعَهُ، فَأَنْكَرَ الْحَالَ، وَأَسَاءَ أَدَبَهُ فِي الْجَوَابِ، وَقَالَ: إِنَّ الْغُورِيَّةَ قَدْ كَاتَبُوا بَهَاءَ الدِّينِ سَامَ صَاحِبَ بَامِيَانَ لِيُمَلِّكُوهُ غَزْنَةَ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ غِيَاثُ الدِّينِ مَحْمُودٌ، وَهُوَ مَوْلَايَ، يَأْمُرُنِي أَنَّنِي لَا أَتْرُكُ أَحَدًا يَقْرَبُ مِنْ غَزْنَةَ، وَقَدْ جَعَلَنِي نَائِبَهُ فِيهَا وَفِي سَائِرِ الْوِلَايَةِ الْمُجَاوِرَةِ لَهَا لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِأَمْرِ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ لِلْوَزِيرِ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَيْضًا أَنْ أَتَسَلَّمَ الْخِزَانَةَ مِنْكَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ لِمَيْلِ الْأَتْرَاكِ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، وَسَارَ بِالْمِحَفَّةِ وَالْمَمَالِيكِ وَالْوَزِيرِ إِلَى غَزْنَةَ، فَدَفَنَ شِهَابَ الدِّينِ فِي التُّرْبَةِ بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا وَدَفَنَ ابْنَتَهُ فِيهَا، وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَيْهَا فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ.
ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَةِ شِهَابِ الدِّينِ
كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شُجَاعًا مِقْدَامًا كَثِيرَ الْغَزْوِ إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ، عَادِلًا فِي رَعِيَّتِهِ، حَسَنَ السِّيرَةِ فِيهِمْ، حَاكِمًا بَيْنَهُمْ بِمَا يُوجِبُهُ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ، وَكَانَ الْقَاضِي بِغَزْنَةَ يَحْضُرُ دَارَهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءَ، وَيَحْضُرُ مَعَهُ أَمِيرُ حَاجِبَ، وَأَمِيرُ دَاذَ، وَصَاحِبُ الْبَرِيدِ. فَيَحْكُمُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ السُّلْطَانِ يُنَفِّذُونَ أَحْكَامَهُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُ الْخُصُومِ الْحُضُورَ عِنْدَهُ أَحْضَرَهُ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، وَأَمْضَى عَلَيْهِ أَوْ لَهُ، حُكْمَ الشَّرْعِ، فَكَانَتِ الْأُمُورُ جَارِيَةً عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ.
حُكِيَ لِي عَنْهُ أَنَّهُ لَقِيَهُ صَبِيُّ عَلَوِيٌّ عُمْرُهُ نَحْوُ خَمْسِ سِنِينَ فَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: لِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَا أَكَلْتُ شَيْئًا، فَعَادَ مِنَ الرُّكُوبِ لِوَقْتِهِ، وَمَعَهُ الصَّبِيُّ، فَنَزَلَ فِي دَارِهِ وَأَطْعَمَ الْعَلَوِيَّ أَطْيَبَ الطَّعَامِ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ مَالًا بَعْدَ أَنْ أَحْضَرَ أَبَاهُ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، وَفَرَّقَ فِي سَائِرِ الْعَلَوِيِّينَ مَالًا عَظِيمًا.
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ تَاجِرًا مِنْ مَرَاغَةَ كَانَ بِغَزْنَةَ، وَلَهُ عَلَى بَعْضِ مَمَالِيكِ شِهَابِ الدِّينِ دَيْنٌ مَبْلَغُهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ، فَقُتِلَ الْمَمْلُوكُ فِي حَرْبٍ كَانَتْ لَهُ، فَرَفَعَ التَّاجِرُ حَالَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute