فِي عَسَاكِرِهِ، وَمَعَهُ وَلَدَاهُ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ وَجَلَالُ الدِّينِ، فَلَمَّا سَارَ عَنْ بَامِيَانَ مَرْحَلَتَيْنِ وَجَدَ صُدَاعًا، فَنَزَلَ يَسْتَرِيحُ، يَنْتَظِرُ خِفَّتَهُ عَنْهُ، فَازْدَادَ الصُّدَاعُ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، فَأَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، فَأَحْضَرَ وَلَدَيْهِ، وَعَهِدَ إِلَى عَلَاءِ الدِّينِ، وَأَمَرَهُمَا بِقَصْدِ غَزْنَةَ، وَحِفْظِ مَشَايِخِ الْغُورِيَّةِ، وَضَبْطِ الْمُلْكِ، وَبِالرِّفْقِ بِالرَّعَايَا، وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُصَالِحَا غِيَاثَ الدِّينِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خُرَاسَانُ وَبِلَادُ الْغَوْرِ، وَيَكُونُ لَهُمَا غَزْنَةُ وَبِلَادُ الْهِنْدِ.
ذِكْرُ مُلْكِ عَلَاءِ الدِّينِ غَزْنَةَ وَأَخْذِهَا مِنْهُ
لَمَّا فَرَغَ بَهَاءُ الدِّينِ مِنْ وَصِيَّتِهِ تُوُفِّيَ، فَسَارَ وَلَدَاهُ إِلَى غَزْنَةَ، فَخَرَجَ أُمَرَاءُ الْغُورِيَّةِ وَأَهْلُ الْبَلَدِ فَلَقَوْهُمَا، وَخَرَجَ الْأَتْرَاكُ مَعَهُمْ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ، وَدَخَلُوا الْبَلَدَ وَمَلَّكُوهُ، وَنَزَلَ عَلَاءُ الدِّينِ وَجَلَالُ الدِّينِ دَارَ السَّلْطَنَةِ مُسْتَهَلَّ رَمَضَانَ، وَكَانُوا قَدْ وَصَلُوا فِي ضُرٍّ وَقِلَّةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَأَرَادَ الْأَتْرَاكُ مَنْعَهُمْ، فَنَهَاهُمْ مُؤَيَّدُ الْمُلْكِ وَزِيرُ شِهَابِ الدِّينِ لِقِلَّتِهِمْ، وَلِاشْتِغَالِ غِيَاثِ الدِّينِ بِابْنِ خَرْمِيلَ - وَالِي هَرَاةَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - فَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّا بِالْقَلْعَةِ، وَنَزَلَا بِدَارِ السُّلْطَانِيَّةِ، رَاسَلَهُمَا الْأَتْرَاكُ بِأَنْ يَخْرُجَا مِنَ الدَّارِ وَإِلَّا قَاتَلُوهُمَا، فَفَرَّقَا فِيهِمْ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَاسْتَحْلَفَاهُمْ فَحَلَفُوا، وَاسْتَثْنَوْا غِيَاثَ الدِّينِ مَحْمُودًا، وَأَنْفَذَا خِلَعًا إِلَى تَاجِ الدِّينِ أَلْدِزَ - وَهُوَ بِإِقْطَاعِهِ - مَعَ رَسُولٍ، وَطَلَبَاهُ إِلَى طَاعَتِهِمَا، وَوَعَدَاهُ بِالْأَمْوَالِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْإِقْطَاعِ، وَإِمَارَةِ الْجَيْشِ، وَالْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْمَمَالِكِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَلَقِيَهُ وَقَدْ سَارَ عَنْ كَرْمَانَ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ مِنَ التُّرْكِ وَالْخُلْجِ وَالْغُزِّ وَغَيْرِهِمْ يُرِيدُ غَزْنَةَ، فَأَبْلَغَهُ الرِّسَالَةَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمَا أَنْ يَعُودَا إِلَى بَامِيَانَ، وَفِيهَا كِفَايَةٌ، فَإِنِّي قَدْ أَمَرَنِي مَوْلَايَ غِيَاثُ الدِّينِ أَنْ أَسِيرَ إِلَى غَزْنَةَ وَأَمْنَعَهُمَا عَنْهَا، فَإِنْ عَادَا إِلَى بَلَدِهِمَا، وَإِلَّا فَعَلْتُ بِهِمَا وَبِمَنْ مَعَهُمَا مَا يَكْرَهُونَ.
وَرَدَّ مَا مَعَهُمَا مِنَ الْهَدَايَا وَالْخِلَعِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُ أَلْدِز بِهَذَا حِفْظَ بَيْتِ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا طَرِيقًا إِلَى مُلْكِ غَزْنَةَ لِنَفْسِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute