بِنَيْسَابُورَ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ خُرَاسَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى هَرَاةَ، وَأَنْ يَكُونُوا يَتَصَرَّفُونَ بِأَمْرِ ابْنِ خَرْمِيلَ وَيَمْتَثِلُونَ أَمْرَهُ.
هَذَا وَغِيَاثُ الدِّينِ يُتَابِعُ الرُّسُلَ إِلَى ابْنِ خَرْمِيلَ، وَهُوَ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ انْتِظَارًا لِعَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَلَا يُؤِيسُهُ مِنْ طَاعَتِهِ، وَلَا يَخْطُبُ لَهُ، وَيُطِيعُهُ طَاعَةً غَيْرَ مُسْتَوِيَةٍ.
ثُمَّ إِنَّ الْأَمِيرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي عَلِيٍّ - صَاحِبَ كَالِوِينَ - أَطْلَعَ غِيَاثَ الدِّينِ عَلَى حَالِ ابْنِ خَرْمِيلَ، فَعَزَمَ غِيَاثُ الدِّينِ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى هَرَاةَ، فَثَبَّطَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِانْتِظَارِ آخِرِ أَمْرِهِ وَتَرْكِ مُحَاقَّتِهِ.
وَاسْتَشَارَ ابْنُ خَرْمِيلَ النَّاسَ فِي أَمْرِ غِيَاثِ الدِّينِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْخَلَّاقِ بْنِ زِيَادٍ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ بِهَرَاةَ، وَهُوَ مُتَوَلِّي وُقُوفِ خُرَاسَانَ الَّتِي بِيَدِ الْغُورِيَّةِ جَمِيعِهَا: يَنْبَغِي أَنْ تَخْطُبَ لِلسُّلْطَانِ غِيَاثِ الدِّينِ، وَتَتْرُكَ الْمُغَالَطَةَ، [فَأَجَابَهُ] : إِنَّنِي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي فَامْضِ أَنْتَ وَتَوَثَّقْ لِي مِنْهُ.
وَكَانَ قَصْدُهُ أَنْ يُبْعِدَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَمَضَى بِرِسَالَتِهِ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ ابْنُ خَرْمِيلَ بِفِعْلِهِ مِنَ الْغَدْرِ بِهِ وَالْمَيْلِ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَحَثَّهُ عَلَى قَصْدِ هَرَاةَ، وَقَالَ لَهُ: أَنَا أُسَلِّمُهَا إِلَيْكَ سَاعَةَ تَصِلُ إِلَيْهَا، وَوَافَقَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُمْ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتْرُكَ لَهُ حُجَّةً، فَتُرْسِلَ إِلَيْهِ تَقْلِيدًا بِوِلَايَةِ هَرَاةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَيَّرَهُ مَعَ ابْنِ زِيَادٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ.
ثُمَّ إِنَّ غِيَاثَ الدِّينِ كَاتَبَ أَمِيرَانَ بْنَ قَيْصَرَ - صَاحِبَ الطَّالْقَانِ - يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ، فَتَوَقَّفَ وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِ مَرْوَ لِيَسِيرَ إِلَيْهِ، فَتَوَقَّفَ أَيْضًا، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ: إِنْ لَمْ تُسَلِّمِ الْبَلَدَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ وَتَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ، وَإِلَّا سَلَّمْنَاكَ وَقَيَّدْنَاكَ وَأَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ، فَاضْطَرَّ إِلَى الْمَجِيءِ إِلَى فَيْرُوزَكُوه. فَخَلَعَ عَلَيْهِ غِيَاثُ الدِّينِ، وَأَقْطَعَهُ إِقْطَاعًا، وَأَقْطَعَ الطَّالْقَانَ سُونْجَ مَمْلُوكَ أَبِيهِ الْمَعْرُوفَ بِأَمِيرِ أَشْكَارَ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ خُوَارِزْمَ شَاهْ عَلَى بِلَادِ الْغُورِيَّةِ بِخُرَاسَانَ
قَدْ ذَكَرْنَا مُكَاتَبَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ خَرْمِيلَ - وَالِي هَرَاةَ - خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَمُرَاسَلَتَهُ فِي الِانْتِمَاءِ إِلَيْهِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَتَرْكِ طَاعَةِ الْغُورِيَّةِ، وَخِدَاعَهُ لِغِيَاثِ الدِّينِ، وَمُغَالَطَتَهُ لَهُ بِالْخُطْبَةِ لَهُ وَالطَّاعَةِ، انْتِظَارًا لِوُصُولِ عَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَوُصُولِ رَسُولِ غِيَاثِ الدِّينِ وَابْنِ زِيَادٍ بِالْخِلَعِ إِلَى ابْنِ خَرْمِيلَ، فَلَمَّا وَصَلَتِ الْخِلَعُ إِلَيْهِ لَبِسَهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَطَالَبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute