رَسُولُ غِيَاثِ الدِّينِ بِالْخُطْبَةِ، فَقَالَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَخْطُبُ لَهُ.
فَاتَّفَقَ وَقُرْبَ عَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قِيلَ لَهُ فِي مَعْنَى الْخُطْبَةِ، فَقَالَ: نَحْنُ فِي شُغْلٍ أَهَمَّ مِنْهَا بِوُصُولِ هَذَا الْعَدُوِّ، فَطَالَتِ الْمُجَادَلَاتُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهَا، وَوَصَلَ عَسْكَرُ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَلَقِيَهُمُ ابْنُ خَرْمِيلَ، وَأَنْزَلَهُمْ عَلَى بَابِ الْبَلَدِ، فَقَالُوا لَهُ: قَدْ أَمَرَنَا خُوَارِزْمُ شَاهْ أَنْ لَا نُخَالِفَ لَكَ أَمْرًا، فَشَكَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ، وَأَقَامَ لَهُمُ الْوَظَائِفَ الْكَثِيرَةَ.
وَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ خُوَارِزْمَ شَاهْ نَزَلَ عَلَى بَلْخَ فَحَاصَرَهَا، فَلَقِيَهُ صَاحِبُهَا، وَقَاتَلَهُ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ، فَلَمْ يَنْزِلْ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، فَنَزَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ، فَنَدِمَ ابْنُ خَرْمِيلَ عَلَى طَاعَةِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَقَالَ لِخَوَاصِّهِ: لَقَدْ أَخْطَأْنَا حَيْثُ صِرْنَا مَعَ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنَّنِي أَرَاهُ عَاجِزًا.
وَشَرَعَ فِي إِعَادَةِ الْعَسْكَرِ، فَقَالَ لِلْأُمَرَاءِ: إِنَّ خُوَارِزْمَ شَاهْ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ يَقُولُ لَهُ: إِنَّنِي عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَنَا، وَأَنَا أَتْرُكُ مَا كَانَ لِأَبِيكَ بِخُرَاسَانَ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ تَرْجِعُوا حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَكُونُ، فَعَادُوا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْهَدَايَا الْكَثِيرَةَ.
وَكَانَ غِيَاثُ الدِّينِ حَيْثُ اتَّصَلَ بِهِ وُصُولُ عَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ إِلَى هَرَاةَ، فَأَخَذَ إِقْطَاعَ ابْنِ خَرْمِيلَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُرْزُبَانَ، وَأَخَذَ كُلَّ مَا لَهُ بِهَا مِنْ مَالٍ، وَأَوْلَادٍ، وَدَوَابَّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَخَذَ أَصْحَابَهُ فِي الْقُيُودِ، وَأَتَاهُ كُتُبُ مَنْ يَمِيلُ إِلَيْهِ مِنَ الْغُورِيَّةِ يَقُولُونَ لَهُ: إِنْ رَآكَ غِيَاثُ الدِّينِ قَتَلَكَ.
وَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ هَرَاةَ بِمَا فَعَلَ غِيَاثُ الدِّينِ بِأَهْلِ ابْنِ خَرْمِيلَ وَمَالِهِ عَزَمُوا عَلَى قَبْضِهِ وَالْمُكَاتَبَةِ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ بِإِنْقَاذِ مَنْ يَتَسَلَّمُ الْبَلَدَ، وَكَتَبَ الْقَاضِي صَاعِدٌ، قَاضِي هَرَاةَ، وَابْنُ زِيَادٍ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ بِذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ خَرْمِيلَ بِمَا فَعَلَهُ غِيَاثُ الدِّينِ بِأَهْلِهِ، وَبِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ أَهِلُ هَرَاةَ، خَافَ أَنْ يُعَاجِلُوهُ بِالْقَبْضِ، فَحَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَأَحْضَرَ أَعْيَانَ الْبَلَدِ، وَأَلَانَ لَهُمُ الْقَوْلَ، وَتَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ، وَأَظْهَرَ طَاعَةَ غِيَاثِ الدِّينِ، وَقَالَ: قَدْ رَدَدْتُ عَسْكَرَ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَأُرِيدُ [أَنْ] أُرْسِلَ رَسُولًا إِلَى غِيَاثِ (الدِّينِ بِطَاعَتِي) ، وَالَّذِي أُوثِرُهُ مِنْكُمْ أَنْ تَكْتُبُوا مَعَهُ كِتَابًا بِطَاعَتِي. فَاسْتَحْسَنُوا قَوْلَهُ وَكَتَبُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute