ذِكْرُ مُلْكِ خُوَارِزْمَ شَاهِ الطَّالْقَانِ
لَمَّا سَلَّمَ خُوَارِزْمُ شَاهْ تِرْمِذَ إِلَى الْخَطَا سَارَ عَنْهَا إِلَى مَيْهَنَةَ وَأَنْدَخُوِي [وَكَتَبَ] إِلَى سُونَجَ أَمِيرِ أَشْكَارَ، نَائِبِ غِيَاثِ الدِّينِ مَحْمُودٍ بِالطَّالْقَانِ، يَسْتَمِيلُهُ، فَعَادَ الرَّسُولُ خَائِبًا لَمْ يُجِبْهُ سُونَجُ إِلَى مَا أَرَادَ مِنْهُ، وَجَمَعَ عَسْكَرَهُ وَخَرَجَ يُحَارِبُ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَالْتَقَوْا بِالْقُرْبِ مِنَ الطَّالْقَانِ.
فَلَمَّا تَقَابَلَ الْعَسْكَرَانِ حَمَلَ سُونَجُ وَحْدَهُ مُجِدًّا حَتَّى قَارَبَ عَسْكَرَ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَرَمَى سِلَاحَهُ عَنْهُ، وَقَبَّلَ الْأَرْضِ، وَسَأَلَ الْعَفْوَ، فَظَنَّ خُوَارِزْمُ شَاهْ أَنَّهُ سَكْرَانُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ صَاحٍ ذَمَّهُ وَسَبَّهُ، وَقَالَ: مَنْ يَثِقُ بِهَذَا وَأَشْبَاهِهِ! وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَأَخَذَ مَا بِالطَّالْقَانِ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ وَدَوَابَّ وَأَنْفَذَهُ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ مَعَ رَسُولٍ، وَحَمَّلَهُ رِسَالَةً تَتَضَمَّنُ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ وَالْمُلَاطَفَةَ لَهُ، وَاسْتَنَابَ بِالطَّالْقَانِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، وَسَارَ إِلَى قِلَاعِ كَالُورِينَ وَبِيوَارَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ حُسَامُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، صَاحِبُ كَالُورِينَ، وَقَاتَلَهُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خُوَارِزْمُ شَاهْ يَتَهَدَّدُهُ إِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَمَمْلُوكٌ، وَأَمَّا هَذِهِ الْحُصُونُ فَهِيَ أَمَانَةٌ بِيَدِي، وَلَا أُسَلِّمُهَا إِلَّا إِلَى صَاحِبِهَا، فَاسْتَحْسَنَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مِنْهُ هَذَا، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَمَّ سُونَجَ.
وَلَمَّا بَلَغَ غِيَاثَ الدِّينِ خَبَرُ سُونَجَ، وَتَسْلِيمُهُ الطَّالْقَانَ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ، عَظُمَ عِنْدَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ، فَسَلَّاهُ أَصْحَابُهُ، وَهَوَّنُوا الْأَمْرَ.
وَلَمَّا فَرَغَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مِنَ الطَّالْقَانِ سَارَ إِلَى هَرَاةَ، فَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا، وَلَمْ يُمَكِّنِ ابْنُ خَرْمِيلَ أَحَدًا مِنَ الْخُوَارِزْمِيِّينَ أَنْ يَتَطَرَّقَ بِالْأَذَى إِلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَجْتَمِعُ مِنْهُمُ الْجَمَاعَةُ بَعْدَ الْجَمَاعَةِ، فَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْخُوَارِزْمِيِّينَ.
وَوَصَلَ رَسُولُ غِيَاثِ الدِّينِ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ بِالْهَدَايَا، وَرَأَى النَّاسُ عَجَبًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُوَارِزْمِيِّينَ لَا يَذْكُرُونَ غِيَاثَ الدِّينِ الْكَبِيرَ وَالِدَ غِيَاثِ الدِّينِ هَذَا، وَلَا يَذْكُرُونَ أَيْضًا شِهَابَ الدِّينِ أَخَاهُ، وَهُمَا حَيَّانِ، إِلَّا بِالْغُورِيِّ، وَصَاحِبِ غَزْنَةَ، وَكَانَ وَزِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute