خُوَارِزْمَ شَاهِ الْآنَ، مَعَ عِظَمِ شَأْنِهِ وَقِلَّةِ شَأْنِ غِيَاثِ الدِّينِ هَذَا، لَا يَذْكُرُهُ إِلَّا بِمَوْلَانَا السُّلْطَانُ مَعَ ضَعْفِهِ وَعَجْزِهِ وَقِلَّةِ بِلَادِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ خَرْمِيلَ فَإِنَّهُ سَارَ مِنْ هَرَاةَ فِي جَمْعٍ مِنْ عَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَنَزَلَ عَلَى أَسْفِزَارَ فِي صَفَرٍ، وَكَانَ صَاحِبُهَا قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ فَحَصَرَهَا وَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ بِهَا يُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ سَلَّمُوهَا أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ، وَإِنِ امْتَنَعُوا أَقَامَ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ يَأْخُذَهُمْ، فَإِذَا أَخَذَهُمْ قَهْرًا لَا يُبْقِي عَلَى كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ، فَخَافُوا، فَسَلَّمُوهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَمَّنَهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إِلَى أَهْلِهَا بِسُوءٍ، فَلَمَّا أَخَذَهَا أَرْسَلَ إِلَى حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ - صَاحِبِ سِجِسْتَانَ - يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَةِ خُوَارِزْمَ شَاهْ وَالْخُطْبَةِ لَهُ بِبِلَادِهِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ غِيَاثُ الدِّينِ قَدْ رَاسَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ وَالدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ، فَغَالَطَهُ وَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى مَا طَلَبَ.
وَلَمَّا كَانَ خُوَارِزْمُ شَاهْ عَلَى هَرَاةَ عَادَ إِلَيْهَا الْقَاضِي صَاعِدُ بْنُ الْفَضْلِ الَّذِي كَانَ ابْنُ خَرْمِيلَ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ هَرَاةَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، وَسَارَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ، فَعَادَ الْآنَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ قَالَ ابْنُ خَرْمِيلَ لِخُوَارِزْمَ شَاهْ: إِنَّ هَذَا يَمِيلُ إِلَى الْغُورِيَّةِ، وَيُرِيدُ دَوْلَتَهُمْ، وَوَقَعَ فِيهِ، فَسَجَنَهُ خُوَارِزْمُ شَاهْ بِقَلْعَةِ زَوْزَنَ، وَوَلَّى الْقَضَاءَ بِهَرَاةَ الصَّفِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ السَرَخْسِيَّ، وَكَانَ يَنُوبُ عَنْ صَاعِدٍ وَابْنِهِ فِي الْقَضَاءِ بِهَرَاةَ.
ذِكْرُ حَالِ غِيَاثِ الدِّينِ مَعَ أَلْدِزَ وَأَيْبَكَ
لَمَّا عَادَ أَلْدِزُ إِلَى غَزْنَةَ، وَأَسَرَ عَلَاءَ الدِّينِ وَأَخَاهُ جَلَالَ الدِّينِ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - كَتَبَ إِلَيْهِ غِيَاثُ الدِّينِ يُطَالِبُهُ بِالْخُطْبَةِ لَهُ، فَأَجَابَهُ جَوَابَ مُدَافِعٍ، وَكَانَ جَوَابُهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ أَشَدَّ مِنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَأَعَادَ غِيَاثُ الدِّينِ إِلَيْهِ يَقُولُ: إِمَّا أَنْ تَخْطُبَ لَنَا، وَإِمَّا أَنْ تُعَرِّفَنَا مَا فِي نَفْسِكَ، فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ بِهَذَا أَحْضَرَ خَطِيبَ غَزْنَةَ وَأَمَرَهُ [أَنْ] يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَعْدَ التَّرَحُّمِ عَلَى شِهَابِ الدِّينِ، فَخَطَبَ لِتَاجِ الدِّينِ أَلْدِزَ بِغَزْنَةَ.
فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ سَاءَهُمْ، وَتَغَيَّرَتْ نِيَّاتُهُمْ، وَنِيَّاتُ الْأَتْرَاكِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَلَمْ يَرَوْهُ أَهْلًا أَنْ يَخْدِمُوهُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُطِيعُونَهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ يَنْصُرُ دَوْلَةَ غِيَاثِ الدِّينِ، فَلَمَّا خَطَبَ لَهُ أَرْسَلَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ يَقُولُ لَهُ: بِمَاذَا تَشْتَطُّ عَلَيَّ، وَتَتَحَكَّمُ فِي هَذِهِ الْخِزَانَةِ؟ نَحْنُ جَمَعْنَاهَا بِأَسْيَافِنَا، وَهَذَا الْمُلْكُ قَدْ أَخَذْتَهُ، وَأَنْتَ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَكَ الَّذِينَ هُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute