للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَقَرَّرَ الْحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّومِ، وَتَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ (ثَالِثَةً) ، وَحَصَرَ الْحِصْنَ الَّذِي فِيهِ الْفِرِنْجُ، وَتَسَلَّمَهُ، وَقَتَلَ كُلَ مَنْ كَانَ بِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ.

ذِكْرُ عَزْلِ وُلِدِ بُكْتُمُرَ صَاحِبِ خِلَاطَ وَمُلْكِ بِلْبَانَ وَمَسِيرِ صَاحِبِ مَارْدِينَ إِلَى خِلَاطَ وَعَوْدِهِ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ عَسْكَرُ خِلَاطَ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَدِ بُكْتُمُرَ، وَمَلَكَهَا بِلْبَانُ مَمْلُوكُ شَاهْ أَرْمَنَ بْنِ سَكْمَانَ، وَكَتَبَ أَهْلُ خِلَاطَ إِلَى نَاصِرِ الدِّينِ أُرْتُقَ بْنِ إِيلِغَازِي بْنِ الْبِي بْنِ تِمِرْتَاشَ بْنِ إِيلِغَازِي بْنِ أَرْتَقَ يَسْتَدْعُونَهُ إِلَيْهَا.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ وَلَدَ بُكْتُمُرَ كَانَ صَبِيًّا جَاهِلًا، فَقَبَضَ عَلَى الْأَمِيرِ (شُجَاعِ الدِّينِ قُتْلُغَ، مَمْلُوكٍ مِنْ مَمَالِيكِ شَاهْ أَرْمَنَ) ، وَهُوَ كَانَ أَتَابِكَهُ، وَمُدَبِّرَ بِلَادِهِ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ مَعَ الْجُنْدِ وَالرَّعِيَّةِ، فَلَمَّا قَتَلَهُ اخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْجُنْدِ وَالْعَامَّةِ، وَاشْتَغَلَ هُوَ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَإِدْمَانِ الشُّرْبِ، فَكَاتَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ عَامَّةِ خِلَاطَ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ جُنْدِ نَاصِرِ الدِّينِ، صَاحِبِ مَارْدِينَ، يَسْتَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا كَاتَبُوهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُلُوكِ لِأَنَّ أَبَاهُ قُطْبَ الدِّينِ إِيلِغَازِي كَانَ ابْنَ أُخْتِ شَاهْ أَرْمَنَ بْنِ سَكْمَانَ، وَكَانَ شَاهْ أَرْمَنَ قَدْ حَلَفَ لَهُ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، فَلَمَّا تَجَدَّدَتْ بَعْدَهُ هَذِهِ الْحَادِثَةُ تَذَاكَرُوا تِلْكَ الْأَيْمَانَ، وَقَالُوا: نَسْتَدْعِيهِ وَنُمَلِّكُهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَاهْ أَرْمَنَ، فَكَاتَبُوهُ وَطَلَبُوهُ إِلَيْهِمْ.

ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ مَمَالِيكِ شَاهْ أَرْمَنَ، اسْمُهُ بِلْبَانُ، وَكَانَ قَدْ جَاهَرَ وَلَدَ بُكْتُمُرَ بِالْعَدَاوَةِ وَالْعِصْيَانِ، سَارَ مِنْ خِلَاطَ إِلَى مَلَازَكُرْدَ وَمَلَكَهَا، وَاجْتَمَعَ الْأَجْنَادُ عَلَيْهِ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَسَارَ إِلَى خِلَاطَ فَحَصَرَهَا، وَاتَّفَقَ وَصُولَ صَاحِبِ مَارْدِينَ إِلَيْهَا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَيُسَلِّمُونَ إِلَيْهِ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ خِلَاطَ عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِلْبَانُ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ خِلَاطَ قَدِ اتَّهَمُونِي بِالْمَيْلِ إِلَيْكَ، وَهُمْ يَنْفِرُونَ مِنَ الْعَرَبِ، وَالرَّأْيُ أَنَّكَ تَرْحَلُ عَائِدًا مَرْحَلَةً وَاحِدَةً وَتُقِيمُ، فَإِذَا تَسَلَّمَتُ الْبَلَدَ سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ، لِأَنَّنِي لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَمْلِكَهُ أَنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>