للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ مُلْكِ الْكُرْجِ مَدِينَةَ قُرْسَ وَمَوْتِ مَلِكِ الْكُرْجِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ الْكُرْجُ حِصْنَ قُرْسَ، مِنْ أَعْمَالِ خِلَاطَ، وَكَانُوا قَدْ حَصَرُوهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَضَيَّقُوا عَلَى مَنْ فِيهِ، وَأَخَذُوا دَخْلَ الْوِلَايَةِ عِدَّةَ سِنِينَ، وَكُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى خِلَاطَ لَا يُنْجِدُهُمْ، وَلَا يَسْعَى فِي رَاحَةٍ تَصِلُ إِلَيْهِمْ.

وَكَانَ الْوَالِي بِهَا يُوَاصِلُ رُسُلَهُ فِي طَلَبِ النَّجْدَةِ، وَإِزَاحَةِ مَنْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُرْجِ، فَلَا يُجَابُ لَهُ دُعَاءٌ، فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَرَأَى أَنْ لَا نَاصِرَ لَهُ، صَالَحَ الْكُرْجَ عَلَى تَسْلِيمِ الْقَلْعَةِ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ وَإِقْطَاعٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ. وَصَارَتْ دَارَ شِرْكٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ دَارَ تَوْحِيدٍ - فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ -، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُسَهِّلَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ نَصْرًا مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنَّ مُلُوكَ زَمَانِنَا قَدِ اشْتَغَلُوا بِلَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ وَظُلْمِهِمْ عَنْ سَدِّ الثُّغُورِ وَحِفْظِ الْبِلَادِ.

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَظَرَ إِلَى قِلَّةِ نَاصِرِ الْإِسْلَامِ، فَتَوَلَّاهُ هُوَ، فَأَمَاتَ مَلِكَةَ الْكُرْجِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَكَفَى اللَّهُ شَرَّهُمْ إِلَى آخِرِ السَّنَةِ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ وَصَاحِبِ لُرُسْتَانَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَمَضَانَ، سَارَ عَسْكَرُ الْخَلِيفَةِ مِنْ خُوزِسْتَانَ مَعَ مَمْلُوكِهِ سَنْجَرَ - وَهُوَ كَانَ الْمُتَوَلِّيَ لِتِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَلِيَهَا بَعْدَ مَوْتِ طَاشْتِكِينَ أَمِيرِ الْحَاجِّ، لِأَنَّهُ زَوْجُ ابْنَةِ طَاشْتِكِينَ - إِلَى جِبَالِ لُرُسْتَانَ، وَصَاحِبُهَا يُعْرَفُ بِأَبِي طَاهِرٍ - وَهِيَ جِبَالٌ مَنِيعَةٌ بَيْنَ فَارِسَ وَأَصْبَهَانَ وَخُوزِسْتَانَ - فَقَاتَلُوا أَهْلَهَا وَعَادُوا مُنْهَزِمِينَ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَمْلُوكًا لِلْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ اسْمُهُ قُشْتُمُرُ مِنْ أَكَابِرِ مَمَالِيكِهِ كَانَ قَدْ فَارَقَ الْخِدْمَةَ لِتَقْصِيرٍ رَآهُ مِنَ الْوَزِيرِ نَصِيرِ الدِّينِ (الْعَلَوِيِّ الرَّازِيِّ، وَاجْتَازَ بِخُوزِسْتَانَ، وَأَخَذَ مِنْهَا مَا أَمْكَنَهُ) وَلَحِقَ بِأَبِي طَاهِرٍ صَاحِبِ لُرُسْتَانَ، فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو طَاهِرٍ فَقَوِيَ أَمْرُ قُشْتُمُرَ، وَأَطَاعَهُ أَهْلُ تِلْكَ الْوِلَايَةِ.

فَأَمَرَ سَنْجَرَ بِجَمْعِ الْعَسَاكِرِ وَقَصْدِهِ وَقِتَالِهِ، فَفَعَلَ سَنْجَرُ مَا أُمِرَ بِهِ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ قُشْتُمُرُ يَعْتَذِرُ، وَيَسْأَلُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ وَلَا يَخْرُجُ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>