وَالْحَرِيمِ وَالْأَوْلَادِ، وَبَلَغَ مِنْ قُبْحِ فِعْلِهِ مَعَ أَوْلَادِهِ أَنَّهُ سَيَّرَ ابْنَيْهِ مَحْمُودًا وَمَوْدُودًا إِلَى قَلْعَةِ فَرَحَ مِنْ بَلَدِ الزَّوَزَانِ، وَأَخْرَجَ ابْنَهُ هَذَا إِلَى دَارٍ بِالْمَدِينَةِ أَسْكَنَهُ فِيهَا، وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَمْنَعُهُ الْخُرُوجَ.
وَكَانَتِ الدَّارُ إِلَى جَانِبِ بُسْتَانٍ لِبَعْضِ الرَّعِيَّةِ، فَكَانَ يَدْخُلُ إِلَيْهِ مِنْهَا الْحَيَّاتُ، وَالْعَقَارِبُ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي، فَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ اصْطَادَ حَيَّةً وَسَيَّرَهَا فِي مَنْدِيلٍ إِلَى أَبِيهِ لَعَلَّهُ يَرِقُّ لَهُ، فَلَمْ يَعْطِفْ عَلَيْهِ، فَأَعْمَلَ الْحِيلَةَ حَتَّى نَزَلَ مِنَ الدَّارِ الَّتِي كَانَ بِهَا وَاخْتَفَى، وَوَضَعَ إِنْسَانًا كَانَ يَخْدِمُهُ، فَخَرَجَ مِنَ الْجَزِيرَةِ، وَقَصَدَ الْمَوْصِلَ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ غَازِي بْنُ سَنْجَرَ، فَلَمَّا سَمِعَ نُورُ الدِّينِ بِقُرْبِهِ مِنْهَا أَرْسَلَ نَفَقَةً، وَثِيَابًا، وَخَيْلًا، وَأَمَرَهُ بِالْعَوْدِ، وَقَالَ: إِنَّ أَبَاكَ يَتَجَنَّى لَنَا الذُّنُوبَ الَّتِي لَمْ نَعْمَلُهَا، وَيُقَبِّحُ ذِكْرَنَا، فَإِذَا صِرْتَ عِنْدَنَا جَعْلَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلشَّنَاعَاتِ وَالْبَشَاعَاتِ، وَنَقَعُ مَعَهُ فِي صِرَاعٍ لَا يُنَادَى وَلِيَدُهُ ; فَسَارَ إِلَى الشَّامِ.
وَأَمَّا غَازِي بْنُ سَنْجَرَ فَإِنَّهُ تَسَلَّقَ إِلَى دَارِ أَبِيهِ، وَاخْتَفَى عِنْدَ بَعْضِ سَرَارِيهِ، وَعَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ مَنْ بِالدَّارِ، فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ بُغْضًا لِأَبِيهِ، وَتَوَقُّعًا لِلْخَلَاصِ مِنْهُ لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِنَّ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ، وَتَرَكَ أَبُوهُ الطَّلَبَ لَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ بِالشَّامِ فَاتَّفَقَ أَنَّ أَبَاهُ، فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، شَرِبَ الْخَمْرَ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ مَعَ نُدَمَائِهِ، فَكَانَ يَقْتَرِحُ عَلَى الْمُغَنِّينَ أَنْ يُغَنُّوا فِي الْفِرَاقِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، وَيَبْكِي، وَيُظْهِرُ فِي قَوْلِهِ قُرْبَ الْأَجَلِ، وَدُنُوَّ الْمَوْتِ، وَزَوَالَ مَا هُوَ فِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى آخَرِ النَّهَارِ، وَعَادَ إِلَى دَارِهِ، وَسَكِرَ عِنْدَ بَعْضِ حَظَايَاهُ، فَفِي اللَّيْلِ دَخَلَ الْخَلَاءَ ; وَكَانَ ابْنُهُ عِنْدَ تِلْكَ الْحَظِيَّةِ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ دَارَهُ فَضَرَبَهُ بِالسِّكِّينِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ضَرْبَةً، ثُمَّ ذَبَحَهُ، وَتَرَكَهُ مُلْقًى، وَدَخَلَ الْحَمَّامَ، وَقَعَدَ يَلْعَبُ مَعَ الْجَوَارِي، فَلَوْ فَتَحَ بَابَ الدَّارِ وَأَحْضَرَ الْجُنْدَ وَاسْتَحْلَفَهُمْ لِمُلْكِ الْبَلَدِ، لَكِنَّهُ أَمِنَ وَاطْمَأَنَّ، وَلَمْ يَشُكَّ فِي الْمُلْكِ.
فَاتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَ الْخَدَمِ الصِّغَارِ خَرَجَ إِلَى الْبَابِ وَأَعْلَمَ أُسْتَاذَ دَارِ سَنْجَرَ الْخَبَرَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute