للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَحْضَرَ أَعْيَانَ الدَّوْلَةِ وَعَرَّفَهُمْ ذَلِكَ، وَأَغْلَقَ الْأَبْوَابَ عَلَى غَازِي، وَاسْتَحْلَفَ النَّاسَ لِمَحْمُودِ بْنِ سَنْجَر شَاهْ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَحْضَرَهُ مِنْ فَرَحَ وَمَعَهُ أَخُوهُ مَوْدُودٌ، فَلَمَّا حَلَفَ النَّاسُ وَسَكَنُوا فَتَحُوا بَابَ الدَّارِ عَلَى غَازِي، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ لِيَأْخُذُوهُ، فَمَانَعَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَوْهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَأَكَلَتِ الْكِلَابُ بَعْضَ لَحْمِهِ، ثُمَّ دُفِنَ بَاقِيهِ.

وَوَصَلَ مَحْمُودٌ إِلَى الْبَلَدِ وَمَلَكَهُ، وَلُقِّبَ بِمُعِزِّ الدِّينِ، لَقَبُ أَبِيهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَخَذَ كَثِيرًا مِنَ الْجَوَارِي اللَّوَاتِي لِأَبِيهِ فَغَرَّقَهُنَّ فِي دِجْلَةَ.

وَلَقَدْ حَدَّثَنِي صَدِيقٌ لَنَا أَنَّهُ رَأَى بِدِجْلَةَ فِي مِقْدَارِ غَلْوَةِ سَهْمٍ سَبْعَ جَوَارٍ مُغَرَّقَاتٍ، مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ قَدْ أُحْرِقَتْ وُجُوهُهُنَّ بِالنَّارِ، فَلَمْ أَعْلَمْ سَبَبَ ذَلِكَ الْحَرِيقِ حَتَّى حَدَّثَتْنِي جَارِيَةٌ اشْتَرَيْتُهَا بِالْمَوْصِلِ مِنْ جَوَارِيهِ، أَنْ مَحْمُودًا كَانَ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ فَيَجْعَلُ وَجْهَهَا فِي النَّارِ، فَإِذَا أَحْتَرَقَتْ أَلْقَاهَا فِي دِجْلَةَ، وَبَاعَ مَنْ لَمْ يُغْرِقْهُ مِنْهُنَّ، فَتَفَرَّقَ أَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ أَيْدِي سَبَا.

وَكَانَ سَنْجَر شَاهْ قَبِيحَ السِّيرَةِ، ظَالِمًا، غَاشِمًا، كَثِيرَ الْمُخَاتَلَةِ وَالْمُوَارَبَةِ، وَالنَّظَرِ فِي دَقِيقِ الْأُمُورِ وَجَلِيلِهَا، لَا يَمْتَنِعُ مِنْ قَبِيحٍ يَفْعَلُهُ مَعَ رَعِيَّتِهِ وَغَيْرِهِمْ، مَنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْلَاكِ، وَالْقَتْلِ، وَالْإِهَانَةِ، وَسَلَكَ مَعَهُمْ طَرِيقًا وَعْرًا مِنْ قَطْعِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأُنُوفِ وَالْآذَانِ، وَأَمَّا اللِّحَى فَإِنَّهُ حَلَقَ مِنْهَا مَا لَا يُحْصَى، وَكَانَ جُلُّ فِكْرِهِ فِي ظُلْمٍ يَفْعَلُهُ.

وَبَلَغَ مِنْ شِدَّةِ ظُلْمِهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا اسْتَدْعَى إِنْسَانًا لِيُحْسِنَ إِلَيْهِ لَا يَصِلُ إِلَّا وَقَدْ قَارَبَ الْمَوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ ; وَاسْتَعْلَى فِي أَيَّامِهِ السُّفَهَاءُ، وَنَفَقَتْ سُوقُ الْأَشْرَارِ وَالسَّاعِينَ بِالنَّاسِ، فَخَرَبَ الْبَلَدُ، وَتَفَرَّقَ أَهْلُهُ، لَا جَرَمَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَقْرَبَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قُتِلَ وَلَدُهُ غَازِي، وَبَعْدَ قَلِيلٍ قَتَلَ وَلَدُهُ مَحْمُودٌ أَخَاهُ مَوْدُودًا، وَجَرَى فِي دَارِهِ مِنَ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وَالتَّفْرِيقِ مَا ذَكَرْنَا بَعْضَهُ، وَلَوْ رُمْنَا شَرْحَ قُبْحِ سِيرَتِهِ لَطَالَ، وَاللَّهُ تَعَالَى بِالْمِرْصَادِ لِكُلِّ ظَالِمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>