للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلِهِمْ، وَعَرَّفَهُمْ وَصُولَ الْعَادِلِ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُهُ، فَأَمَّا مَنْ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَسَكَتُوا، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذِهِ الْحَالَ، فَعَظَّمَ الْأَمْرَ، وَأَشَارَ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلْحِصَارِ، وَجَمْعِ الرِّجَالِ، وَتَحْصِيلِ الذَّخَائِرِ وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.

فَقَالَ نُورُ الدِّينِ: نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَخَبَرَّهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ: بِأَيِّ رَأْيٍ تَجِيءُ إِلَى عَدُوٍّ لَكَ هُوَ أَقْوَى مِنْكَ، وَأَكْثَرُ جَمْعًا، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْكَ مَتَى تَحَرَّكَ لِقَصْدِكَ تَعْلَمُ بِهِ، فَلَا يَصِلُ إِلَّا وَقَدْ فَرَغْتَ مِنْ جَمِيعِ مَا تُرِيدُهُ، تَسْعَى حَتَّى يَصِيرَ قَرِيبًا مِنْكَ، وَيَزْدَادَ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهِ.

ثُمَّ إِنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ بَيْنَكُمَا أَنَّهُ لَهُ يَمْلِكُهُ أَوْلًا بِغَيْرِ تَعَبٍ وَلَا مَشَقَّةٍ، وَتَبْقَى أَنْتَ لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تُفَارِقَ الْمَوْصِلَ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَتَحْصُرَهَا وَالْعَادِلُ هَاهُنَا، هَذَا إِنْ وَفَّى لَكَ بِمَا اسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُفَارِقَ الْمَوْصِلَ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الشَّامِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ مُلْكُ خِلَاطَ، وَبَعْضُ دِيَارِ بَكْرٍ، وَدِيَارُ الْجَزِيرَةِ جَمِيعُهَا، وَالْجَمِيعُ بِيَدِ أَوْلَادِهِ مَتَى سِرْتَ عَنِ الْمَوْصِلِ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، فَمَا زِدْتَ عَلَى أَنْ آذَيْتَ نَفْسَكَ وَابْنَ عَمِّكَ، وَقَوَّيْتَ عَدُوَّكَ، وَجَعَلْتَهُ شِعَارَكَ، وَقَدْ فَاتَ الْأَمْرُ، وَلَيْسَ يَجُوزُ إِلَّا أَنْ تَقِفَ مَعَهُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بَيْنَكُمَا لِئَلَّا يَجْعَلَ لَكَ حُجَّةً وَيَبْتَدِئُ بِكَ.

هَذَا وَالْعَادِلُ قَدْ مَلَكَ الْخَابُورَ وَنَصِيبِينَ، وَسَارَ إِلَى سِنْجَارَ فَحَصَرَهَا، وَكَانَ فِي عَزْمِ صَاحِبِهَا قُطْبِ الدِّينِ أَنْ يُسَلِّمَهَا إِلَى الْعَادِلِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ عَنْهَا، فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَمِيرٌ كَانَ مَعَهُ، اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ يَرْنَقْشَ، مَمْلُوكُ أَبِيهِ زَنْكِي، وَقَامَ بِحِفْظِ الْمَدِينَةِ وَالذَّبِّ عَنْهَا، وَجَهَّزَ نُورُ الدِّينِ عَسْكَرًا مَعَ وَلَدِهِ الْمَلِكِ الْقَاهِرِ لِيَسِيرُوا إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ.

فَبَيْنَمَا الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي حِسَابٍ، وَهُوَ أَنَّ مُظَفَّرَ الدِّينِ كُوكُبْرِي، صَاحِبَ إِرْبَلَ، أَرْسَلَ وَزِيرَهُ إِلَى نُورِ الدِّينِ يَبْذُلُ مِنْ نَفْسِهِ الْمُسَاعِدَةَ عَلَى مَنْعِ الْعَادِلِ عَنْ سِنْجَارَ، وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ مَعَهُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ، فَوَصَلَ الرَّسُولُ لَيْلًا، فَوَقَفَ مُقَابِلَ دَارِ نُورِ الدِّينِ وَصَاحَ، فَعَبَّرَ إِلَيْهِ سَفِينَةً عَبَرَ فِيهَا، وَاجْتَمَعَ بِنُورِ الدِّينِ لَيْلًا وَأَبْلَغَهُ الرِّسَالَةَ، فَأَجَابَ نُورُ الدِّينِ إِلَى مَا طَلَبَ مِنَ الْمُوَافَقَةِ، وَحَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَادَ الْوَزِيرُ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَسَارَ مُظَفَّرُ الدِّينِ، وَاجْتَمَعَ هُوَ وَنُورُ الدِّينِ، وَنَزَلَا بِعَسَاكِرِهِمَا بِظَاهِرِ الْمَوْصِلِ.

وَكَانَ سَبَبُ مَا فَعَلَهُ مُظَفَّرُ الدِّينِ أَنَّ صَاحِبَ سِنْجَارَ أَرْسَلَ وَلَدَهُ إِلَى مُظَفَّرِ الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>