يَسْتَشْفِعُ بِهِ إِلَى الْعَادِلِ لِيُبْقِيَ عَلَيْهِ سِنْجَارَ، وَكَانَ مُظَفَّرُ الدِّينِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَوْ شَفَعَ فِي نِصْفِ مُلْكِ الْعَادِلِ لَشَفَّعَهُ، لِأَثَرِهِ الْجَمِيلِ فِي خِدْمَتِهِ، وَقِيَامِهِ فِي الذَّبِّ عَنْ مُلْكِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ ; فَشَفَعَ إِلَيْهِ فَلَمْ يُشَفِّعْهُ الْعَادِلُ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ بَعْدَ اتِّفَاقِهِ مَعَ نُورِ الدِّينِ لَا يُبَالِي بِمُظَفَّرِ الدِّينِ، فَلَمَّا رَدَّ الْعَادِلُ شَفَاعَتَهُ رَاسَلَ نُورَ الدِّينِ فِي الْمُوَافَقَةِ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَاجْتَمَعَ بِنُورِ الدِّينِ، أَرْسَلَا إِلَى الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غَازِي بْنِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ صَاحِبُ حَلَبَ، وَإِلَى كَيْخَسْرُو بْنِ قَلْجِ أَرَسْلَان، صَاحِبِ بِلَادِ الرُّومِ، بِالِاتِّفَاقِ مَعَهُمَا، فَكِلَاهُمَا أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ، فَتَوَاعَدُوا عَلَى الْحَرَكَةِ وَقَصْدِ بِلَادِ الْعَادِلِ إِنِ امْتَنَعَ مِنَ الصُّلْحِ وَالْإِبْقَاءِ عَلَى صَاحِبِ سِنْجَارَ، وَأَرْسَلَا أَيْضًا إِلَى الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ لِيُرْسِلَ رَسُولًا إِلَى الْعَادِلِ فِي الصُّلْحِ أَيْضًا فَقَوِيَتْ حِينَئِذٍ نَفْسُ صَاحِبِ سِنْجَارَ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَوَصَلَتْ رُسُلُ الْخَلِيفَةِ، وَهُوَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنُ الضَّحَّاكِ، أُسْتَاذُ الدَّارِ، وَالْأَمِيرُ آقَ بَاشْ، وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ مَمَالِيكِ الْخَلِيفَةِ وَكِبَارِهِمْ، فَوَصَلَا إِلَى الْمَوْصِلِ، وَسَارَا مِنْهَا إِلَى الْعَادِلِ وَهُوَ يُحَاصِرُ سِنْجَارَ، وَكَانَ مِنْ مَعَهُ لَا يُنَاصِحُونَهُ فِي الْقِتَالِ لَا سِيَّمَا أَسُدُ الدَّيْنِ شِيرِكُوهْ، صَاحِبُ حِمْصَ وَالرَّحْبَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ إِلَيْهَا الْأَغْنَامَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَقْوَاتِ ظَاهِرًا، وَلَا يُقَاتِلُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ.
فَلَمَّا وَصَلَتْ رُسُلُ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْعَادِلِ أَجَابَ أَوَّلًا إِلَى الرَّحِيلِ، ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَغَالَطَ، وَأَطَالَ الْأَمْرَ لَعَلَّهُ يَبْلُغُ مِنْهَا غَرَضًا، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهَا مَا أَمَّلَهُ، وَأَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا أَخَذَ وَتَبَقَى سِنْجَارُ لِصَاحِبِهَا.
وَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَحَالَفُوا عَلَى هَذَا كُلُّهُمْ، وَعَلَى أَنْ يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى النَّاكِثِ مِنْهُمْ، وَرَحَلَ الْعَادِلُ عَنْ سِنْجَارَ إِلَى حَرَّانَ، وَعَادَ مُظَفَّرُ الدِّينِ إِلَى إِرْبِلَ، وَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُلُوكِ، وَكَانَ مُظَفَّرُ الدِّينِ عِنْدَ مُقَامِهِ بِالْمَوْصِلِ قَدْ زَوَّجَ ابْنَتَيْنِ لَهُ بِوَلَدَيْنِ لِنُورِ الدِّينِ ; وَهَمَا عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودٌ، وَعِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute