وَوَصَلَ الْوَزِيرُ إِلَى بَغْدَادَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّمِائَةٍ هُوَ وَالشَّرَابِيُّ وَالْعَسَاكِرُ، وَخَرَجَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى تَلَقِّيهِمْ، فَدَخَلُوهَا وَسَنْجَرُ مَعَهُمْ رَاكِبًا عَلَى بَغْلٍ بِإِكَافٍ، وَفِي رِجْلِهِ سِلْسِلَتَانِ، فِي يَدِ كُلِّ جُنْدِيٍّ سِلْسِلَةٌ، وَبَقِيَ مَحْبُوسًا إِلَى أَنْ دَخَلَ صَفَرٌ، فَجُمِعَ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ إِلَى دَارِ مُؤَيِّدِ الدِّينِ نَائِبِ الْوِزَارَةِ، فَأُحْضِرَ سَنْجَرُ وَقُرِّرَ بِأُمُورٍ نُسِبَتْ إِلَيْهِ مُنْكَرَةٍ، فَأَقَرَّ بِهَا، فَقَالَ مُؤَيِّدُ الدِّينِ لِلنَّاسِ: قَدْ عَرَفْتُمْ مَا تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ مِنْ عُقُوبَةِ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَدْ عَفَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ، وَأَمَرَ بِالْخِلَعِ عَلَيْهِ، فَلَبِسَهَا وَعَادَ إِلَى دَارِهِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقِيلَ إِنَّ أَتَابِكْ سَعْدًا نَهَبَ مَالَ سَنْجَرَ وَخِزَانَتَهُ وَدَوَابَّهُ، وَكُلَّ مَا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، وَسَيَّرَهُمْ، فَلَمَّا وَصَلَ سَنْجَرُ إِلَى الْوَزِيرِ الشَّرَابِيِّ طَلَبُوا الْمَالَ، فَأَرْسَلَ شَيْئًا يَسِيرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ وَفَاةِ نُورِ الدِّينِ أَرَسْلَان شَاهْ وَشَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوَاخِرَ رَجَبٍ، تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ أَرَسْلَان شَاهْ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِي بْنِ آقْسُنْقُرَ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ مَرَضُهُ قَدْ طَالَ، وَمِزَاجُهُ قَدْ فَسَدَ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا، ذَا سِيَاسَةٍ لِلرَّعَايَا، شَدِيدًا عَلَى أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا يَخَافُونَهُ خَوْفًا شَدِيدًا، وَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَعَدِّي بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَكَانَ لَهُ هِمَّةً عَالِيَةً، أَعَادَ نَامُوسَ الْبَيْتِ الْأَتَابِكِيِّ وَجَاهَهُ، وَحُرْمَتَهُ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ قَدْ ذَهَبَتْ وَخَافَهُ الْمُلُوكُ ; وَكَانَ سَرِيعَ الْحَرَكَةِ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَبْرٌ فَلِهَذَا لَمْ يَتَّسِعْ مُلْكُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْفَضِيلَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا رَحَلَ الْكَامِلُ بْنُ الْعَادِلِ عَنْ مَارِدِينِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، عَفَّ عَنْهَا، وَأَبْقَاهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ قَصَدَهَا وَحَصَرَهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قُوَّةُ الِامْتِنَاعِ، لِأَنَّ مَنْ كَانُوا بِهَا كَانُوا قَدْ هَلَكُوا وَضَجِرُوا، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ رَمَقٌ، فَأَبْقَاهَا عَلَى صَاحِبِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute