للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا مَلَكَ اسْتَغَاثَ بِهِ إِنْسَانٌ مِنَ التُّجَّارِ، فَسَأَلَ عَنْ حَالِهِ، فَقِيلَ إِنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ قُمَاشَهُ إِلَى الْبَلَدِ لِيَبِيعَهُ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ الْبَيْعُ، وَيُرِيدُ إِخْرَاجَهُ، وَقَدْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ مَنَعَهُ فَقِيلَ: ضَامِنٌ الْبَزِّ يُرِيدُ مِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الْمَكْسِ، وَكَانَ الْقَيِّمُ بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ مُجَاهِدَ الدِّينِ قَايَمَازَ، وَهُوَ إِلَى جَانِبِهِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْعَادَةِ كَيْفَ هِيَ فَقَالَ: إِنِ اشْتَرَطَ صَاحِبُهُ إِخْرَاجَ مَتَاعَهُ مُكِّنَ مِنْ إِخْرَاجِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يُخْرَجْ حَتَّى يُؤْخَذَ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَخْذِهِ. فَقَالَ: وَاللَّهُ إِنَّ هَذِهِ الْعَادَةَ مُدَبَّرَةٌ، إِنْسَانٌ لَا يَبِيعُ مَتَاعَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَالُهُ؟ فَقَالَ مُجَاهِدُ الدِّينِ: لَا شَكَّ فِي فَسَادِ هَذِهِ الْعَادَةِ. فَقَالَ: إِذَا قُلْنَا أَنَا وَأَنْتَ إِنَّهَا عَادَةٌ فَاسِدَةٌ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَرْكِهَا. وَتَقَدَّمَ بِإِخْرَاجِ مَالِ الرَّجُلِ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ إِلَّا مِمَّنْ بَاعَ.

وَسَمِعْتُ أَخِي مَجْدَ الدِّينِ أَبَا السِّعَادَاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اخْتِصَاصًا بِهِ يَقُولُ: مَا قُلْتُ لَهُ يَوْمًا فِي فِعْلِ خَيْرٍ فَامْتَنَعَ مِنْهُ بَلْ بَادَرَ إِلَيْهِ بِفَرَحٍ وَاسْتِبْشَارٍ، وَاسْتَدْعَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَخِي الْمَذْكُورَ، فَرَكِبَ إِلَى دَارِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَابِ الدَّارِ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَبِيَدِهَا رُقْعَةٌ، وَهِيَ تَشْكُو، وَتَطْلُبُ عَرْضَهَا عَلَى نُورِ الدِّينِ، فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ إِلَيْهِ جَارَاهُ فِي مُهِمٍّ لَهُ، فَقَالَ: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ تَقِفُ عَلَى هَذِهِ الرُّقْعَةِ، وَتَقْضِي شَغْلَ صَاحِبَتِهَا. فَقَالَ: لَا حَاجَةَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهَا، عَرِّفْنَا إِيشْ فِيهَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّنِي رَأَيْتُ امْرَأَةً بِبَابِ الدَّارِ وَهِيَ مُتَظَلِّمَةٌ، شَاكِيَةٌ.

فَقَالَ: نَعَمْ عَرَفْتُ حَالَهَا ثُمَّ انْزَعَجَ فَظَهَرَ مِنْهُ الْغَيْظُ وَالْغَضَبُ، وَعِنْدَهُ رَجُلَانِ هُمَا الْقَيِّمَانِ بِأُمُورِ دَوْلَتِهِ، فَقَالَ لِأَخِيهِ: أَبْصِرْ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ قَدْ دَفَعَتْ مَعَ هَذَيْنِ. هَذِهِ الْمَرْأَةُ كَانَ لَهَا ابْنٌ، وَقَدْ مَاتَ مِنْ مُدَّةٍ فِي الْمَوْصِلِ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَخَلَّفَ قُمَاشًا وَمَمْلُوكَيْنِ، فَاحْتَاطَ نُوَّابُ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْقُمَاشِ، وَأَحْضَرُوا الْمَمْلُوكَيْنِ إِلَيْنَا، فَبَقِيَا عِنْدَنَا نَنْتَظِرُ حُضُورَ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّرِكَةَ لِيَأْخُذَهَا، فَحَضَرَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَمَعَهَا كِتَابٌ، حُكْمِي بِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي مَعَ وَلَدِهَا لَهَا، فَتَقَدَّمْنَا بِتَسْلِيمِ مَالِهَا إِلَيْهَا، وَقُلْتُ لِهَذَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>