للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتَرِيَا الْمَمْلُوكَيْنِ مِنْهَا، وَأَنْصِفَاهَا فِي الثَّمَنِ، فَعَادَا وَقَالَا: لَمْ يَتِمَّ بَيْنِنَا بَيْعٌ، لِأَنَّهَا طَلَبَتْ ثَمَنًا كَثِيرًا، فَأَمَرْتُهُمَا بِإِعَادَةِ الْمَمْلُوكَيْنِ إِلَيْهَا مِنْ مُدَّةِ شَهْرَيْنِ وَأَكْثَرَ، وَإِلَى الْآنِ مَا عُدْتُ سَمِعْتُ لَهَا حَدِيثًا، وَظَنَنْتُ أَنَّهَا أَخَذَتْ مَالَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا لَمْ يُسَلِّمَا الْمَمْلُوكَيْنِ إِلَيْهَا، وَقَدِ اسْتَغَاثَتْ بِهِمَا فَلَمْ يُنْصِفَاهَا، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ، وَكُلُّ مَنْ رَأَى هَذِهِ الْمَرْأَةَ تَشْكُو وَتَسْتَغِيثُ يَظُنُّ أَنِّي أَنَا مَنَعَتُهَا عَنْ مَالِهَا، فَيَذُمُّنِي، وَيَنْسِبُنِي إِلَى الظُّلْمِ، وَلَيْسَ لِي عِلْمٌ، وَكُلُّ هَذَا فِعْلُ هَذَيْنِ، أَشْتَهِي أَنْ تَتَسَلَّمَ أَنْتَ الْمَمْلُوكَيْنِ، وَتُسَلِّمَهُمَا إِلَيْهَا فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ مَالَهَا وَعَادَتْ شَاكِرَةً دَاعِيَةً، وَلَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَثِيرٌ لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ.

ذِكْرُ وِلَايَةِ ابْنِهِ الْمَلِكِ الْقَاهِرِ

لَمَّا حَضَرَ نُورَ الدِّينِ الْمَوْتُ أَمَرَ أَنْ يُرَتَّبَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْمَلِكُ الْقَاهِرُ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودٌ، وَحَلَّفَ لَهُ الْجُنْدَ وَأَعْيَانَ النَّاسِ، وَكَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمُدَّةٍ، فَجَدَّدَ الْعَهْدَ لَهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ، وَأَعْطَى وَلَدَهُ الْأَصْغَرَ عِمَادَ الدِّينِ زَنْكِي قَلْعَةَ عَقْرِ الْحُمَيْدِيَّةِ، وَقَلْعَةَ شُوشَ، وَوِلَايَتَهُمَا، وَسَيَّرَهُ إِلَى الْعَقْرِ. وَأَمَرَ أَنْ يَتَوَلَّى تَدْبِيرَ مَمْلَكَتِهِمَا وَيَقُومَ بِحِفْظِهِمَا، وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمَا، فَأَتَاهُ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ لَمَّا رَأَى مِنْ عَقْلِهِ وَسِدَادِهِ، وَحُسْنِ سِيَاسَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَكَمَالِ خِلَالِ السِّيَادَةِ فِيهِ، وَكَانَ عُمُرُ الْقَاهِرِ حِينَئِذٍ عَشْرَ سِنِينَ.

وَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَأَيِسَ مِنْ نَفْسِهِ أَمَرَهُ الْأَطِبَّاءُ بِالِانْحِدَارِ إِلَى الْحَامَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِعَيْنِ الْقَيَّارَةِ، وَهِيَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَوْصِلِ، فَانْحَدَرَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ بِهَا رَاحَةً، وَازْدَادَ ضَعْفًا، فَأَخَذَهُ بَدْرُ الدِّينِ وَأَصْعَدَهُ فِي الشَّبَّارَةِ إِلَى الْمَوْصِلِ فَتُوُفِّيَ فِي الطَّرِيقِ لَيْلًا وَمَعَهُ الْمَلَّاحُونَ وَالْأَطِبَّاءُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سِتْرٌ.

وَكَانَ مَعَ بَدْرِ الدِّينِ، عِنْدَ نُورِ الدِّينِ، مَمْلُوكَانِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ قَالَ لَهُمَا: لَا يَسْمَعُ أَحَدٌ بِمَوْتِهِ، وَقَالَ لِلْأَطِبَّاءِ وَالْمَلَّاحِينَ: لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ، فَقَدْ نَامَ السُّلْطَانُ. فَسَكَتُوا، وَوَصَلُوا إِلَى الْمَوْصِلِ فِي اللَّيْلِ، فَأَمَرَ الْأَطِبَّاءَ وَالْمَلَّاحِينَ بِمُفَارَقَةِ الشَّبَّارَةِ ; لِئَلَّا يَرَوْهُ مَيِّتًا، وَأُبْعِدُوا، فَحَمَلَهُ هُوَ وَالْمَمْلُوكَانِ، وَأَدْخَلَهُ الدَّارَ، وَتَرَكَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>