كَانَ فِيهِ وَمَعَهُ الْمَمْلُوكَانِ، وَنَزَّلَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ لَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَقَعَدَ مَعَ النَّاسِ يُمْضِي أُمُورًا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى إِتْمَامِهَا.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ مَا يُرِيدُهُ أَظْهَرَ مَوْتَهُ وَقْتَ الْعَصْرِ، وَدُفِنَ لَيْلًا بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا مُقَابِلَ دَارِهِ، وَضَبَطَ الْبَلَدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ضَبْطًا جَيِّدًا بِحَيْثُ إِنَّ النَّاسَ فِي اللَّيْلِ لَمْ يَزَالُوا مُتَرَدِّدِينَ لَمْ يَعْدَمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِقْدَارُهُ الْحَبَّةُ الْفَرْدُ، وَاسْتَقَرَّ الْمُلْكُ لِوَلَدِهِ، وَقَامَ بَدْرُ الدِّينِ بِتَدْبِيرِ الدَّوْلَةِ وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهَا.
ذِكْرُ عَدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، دَرَّسَ الْقَاضِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْمُفَرِّجِ، قَاضِي تَكْرِيتَ، بِالْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ اسْتُدْعِيَ مِنْ تَكْرِيتَ إِلَيْهَا.
وَفِيهَا نَقَصَتْ دِجْلَةُ بِالْعِرَاقِ نَقْصًا كَثِيرًا، حَتَّى كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي بِبَغْدَادَ فِي نَحْوِ خَمْسَةِ أَذْرُعٍ، وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُكْرَى دِجْلَةُ، فَجَمَعَ الْخَلْقَ الْكَثِيرَ، وَكَانُوا كُلَّمَا حَفَرُوا شَيْئًا عَادَ الرَّمْلُ فَغَطَّاهُ، وَكَانَ النَّاسُ يَخُوضُونَ دِجْلَةَ فَوْقَ بَغْدَادَ، وَهَذَا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ وَلَدُ الْأَمِيرِ مُجَاهِدِ الدِّينِ يَاقُوتَ أَمِيرِ الْحَاجِّ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ خُوزِسْتَانَ، وَجَعَلَهُ هُوَ أَمِيرَ الْحَاجِّ، وَجَعَلَ مَعَهُ مَنْ يُدَبِّرُ الْحَاجَّ، لِأَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِيهَا، فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، تُوُفِّيَ ضِيَاءُ الدِّينِ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَمِيرُ الْبَغْدَادِيُّ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ سَبْطُ صَدْرِ الدِّينِ إِسْمَاعِيلَ شَيْخِ الشُّيُوخِ، وَعُمُرُهُ سَبْعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَشُهُورٌ، وَكَانَ صُوفِيًّا، فَقِيهًا، مُحَدِّثًا، سَمِعْنَا مِنْهُ الْكَثِيرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ وَالصَّلَاحِ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ شَيْخُنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ بْنِ طَبَرْزَدَ الْبَغْدَادِيُّ، وَكَانَ عَالِيَ الْإِسْنَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute