وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَرِيمًا، كَثِيرَ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ حَسَنَ السِّيرَةِ، مَحْبُوبًا إِلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ ; أَنَّهُ أَصَابَهُ إِسْهَالٌ فَتُوُفِّيَ، وَحَزِنَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ حُزْنًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ حَتَّى إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ يَنْهَاهُمْ عَنْ إِنْفَاذِ رَسُولٍ إِلَيْهِ يُعَزِّيهِ بِوَلَدِهِ، وَلَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا، وَلَا سَمِعَ رِسَالَةً، وَانْقَطَعَ، وَخَلَا بِهُمُومِهِ وَأَحْزَانِهِ، وَرُؤِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُزْنِ وَالْجَزَعِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أُخْرِجَ نَهَارًا، وَمَشَى جَمِيعُ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ تَابُوتِهِ إِلَى تُرْبَةِ جَدَّتِهِ عِنْدَ قَبْرِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ، فَدُفِنَ عِنْدَهَا، وَلَمَّا أُدْخِلَ التَّابُوتُ أُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ، وَسُمِعَ الصُّرَاخُ الْعَظِيمُ مِنْ دَاخِلِ التُّرْبَةِ فَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ صَوْتُ الْخَلِيفَةِ.
وَأَمَّا الْعَامَّةُ بِبَغْدَادَ فَإِنَّهُمْ وَجَدُوا عَلَيْهِ وَجْدًا شَدِيدًا، وَدَامَتِ الْمَنَاحَاتُ عَلَيْهِ فِي أَقْطَارِ بَغْدَادَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَمْ يَبْقَ بِبَغْدَادَ مَحَلَّةٌ إِلَّا وَفِيهَا النَّوْحُ، وَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ إِلَّا وَأَظْهَرَتِ الْحُزْنَ، وَمَا سُمِعَ بِبَغْدَادَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ.
وَكَانَ مَوْتُهُ وَقْتَ وُصُولِ رَأْسِ مَنْكِلِي إِلَى بَغْدَادَ، فَإِنَّ الْمَوْكِبَ أُمِرَ بِالْخُرُوجِ إِلَى لِقَاءِ الرَّأْسِ، فَخَرَجَ النَّاسُ كَافَّةً، فَلَمَّا دَخَلُوا بِالرَّأْسِ إِلَى رَأْسِ دَرْبِ حَبِيبٍ وَقَعَ الصَّوْتُ بِمَوْتِ ابْنِ الْخَلِيفَةِ، فَأُعِيدَ الرَّأْسُ وَهَذَا دَأْبُ الدُّنْيَا، لَا يَصْفُو أَبَدًا فَرَحُهَا مِنْ تَرَحٍ، وَقَدْ تَخْلُصُ مَصَائِبُهَا مِنْ شَائِبَةِ الْفَرَحِ.
ذِكْرُ مُلْكِ خُوَارَزْم شَاهْ غَزْنَةَ وَأَعْمَالَهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ، مَلَكَ خُوَارَزْم شَاهْ مُحَمَّدُ بْنُ تُكَشَ مَدِينَةَ غَزْنَةَ وَأَعْمَالَهَا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ خُوَارَزْم شَاهْ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى عَامَّةِ خُرَاسَانَ، وَمَلَكَ بَامِيَانَ وَغَيْرَهَا، أَرْسَلَ إِلَى تَاجِ الدِّينِ، صَاحِبِ غَزْنَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَخْبَارُهُ حَتَّى مَلَكَهَا، يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخْطُبَ لَهُ، وَيَضْرِبَ السِّكَّةَ بِاسْمِهِ، وَيُرْسِلَ إِلَيْهِ فِيلًا وَاحِدًا لِيُصَالِحَهُ، وَيُقِرَّ بِيَدِهِ غَزْنَةَ، وَلَا يُعَارِضَهُ فِيهَا، فَأَحْضَرَ الْأُمَرَاءَ وَأَعْيَانَ دَوْلَتِهِ وَاسْتَشَارَهُمْ.
وَكَانَ فِيهِمْ أَكْبَرُ أَمِيرٍ اسْمُهُ قَتْلَغُ تَكِينَ، وَهُوَ مِنْ مَمَالِيكِ شِهَابِ الدِّينِ الْغُورِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute