للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَيْبُلُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَمَعَهُ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مَعَ أَلْدُزَ نَحْوُ أَلْفٍ وَخَمْسُمِائَةِ فَارِسٍ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا مَصَافٌّ، وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَتْ مَيْمَنَةُ أَلْدُزَ وَمَيْسَرَتُهُ، وَأُخِذَتِ الْفِيَلَةُ الَّتِي مَعَهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ غَيْرُ فِيلَيْنِ مَعَهُ فِي الْقَلْبِ.

فَقَالَ الْفَيَّالُ: إِذًا أُخَاطِرُ بِسَعَادَتِكَ، وَأَمَرَ أَحَدَ الْفِيلَيْنِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الْعَلَمِ الَّذِي لِقَبَاجَةَ يَأْخُذُهُ، وَأَمَرَ الْفِيلَ الْآخَرَ، الَّذِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَ الْجَتَرَ الَّذِي لَهُ، فَأَخَذَهُ أَيْضًا، وَالْفِيَلَةُ الْمُعَلَّمَةُ تَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهَا، هَذَا رَأَيْنَاهُ، فَحَمَلَ الْفِيلَانِ، وَحَمَلَ مَعَهُمَا أَلْدُزُ فِيمَنْ بَقِيَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَكَشَفَ رَأَسَهُ، وَقَالَ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا مَعْنَاهُ: إِمَّا مُلْكٌ، وَإِمَّا هُلْكٌ! وَاخْتَلَطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَفَعَلَ الْفِيلَانِ مَا أَمَرَهُمَا الْفَيَّالُ مِنْ أَخْذِ الْعَلَمِ وَالْجَتَرِ، فَانْهَزَمَ قَبَاجَةُ وَعَسْكَرُهُ، وَمَلَكَ أَلْدُزُ مَدِينَةَ لَهَاوُورَ.

ثُمَّ سَارَ إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ لِيَمْلِكَ مَدِينَةَ دَهْلَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ صَاحِبُ دَهْلَةَ أَمِيرًا اسْمُهُ التِّرْمِشُ، وَلَقَبُهُ شَمْسُ الدِّينِ، وَهُوَ مِنْ مَمَالِيكِ قُطْبِ الدِّينِ أَيْبَكَ، مَمْلُوكِ شِهَابِ الدِّينِ أَيْضًا، كَانَ قَدْ مَلَكَ الْهِنْدَ بَعْدَ سَيِّدِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ التِّرْمِشُ سَارَ إِلَيْهِ فِي عَسَاكِرِهِ كُلِّهَا، فَلَقِيَهُ عِنْدَ مَدِينَةِ سَمَاتَا فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ أَلْدُزُ وَعَسْكَرُهُ، وَأُخِذَ وَقُتِلَ.

وَكَانَ أَلْدُزُ مَحْمُودَ السِّيرَةِ فِي وِلَايَتِهِ، كَثِيرَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الرَّعِيَّةِ لَاسِيَّمَا التُّجَّارُ وَالْغُرَبَاءُ، وَمِنْ مَحَاسِنِ أَعْمَالِهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ، وَلَهُمْ مُعَلِّمٌ يُعَلِّمُهُمْ، فَضَرَبَ الْمُعَلِّمُ أَحَدَهُمْ فَمَاتَ، فَأَحْضَرَهُ أَلْدُزُ وَقَالَ لَهُ: يَا مِسْكِينُ! مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا تَأْدِيبَهُ، فَاتَّفَقَ أَنْ مَاتَ. فَقَالَ: صَدَقْتَ. وَأَعْطَاهُ نَفَقَةً، وَقَالَ لَهُ: تَغِيبُ فَإِنَّ أُمَّهُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الصَّبْرِ فَرُبَّمَا أَهْلَكَتْكَ وَلَا أَقْدِرُ أَمْنَعُ عَنْكَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ بِمَوْتِهِ طَلَبَتِ الْأُسْتَاذَ لِتَقْتُلَهُ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَسَلِمَ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا يُحْكَى عَنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>