مِنْ هَوَازِنَ فَقَالَ: هُوَ قَيْسُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصْفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ.
فَرَأَتْ ثَقِيفٌ الْبِلَادَ فَأَعْجَبَهُمْ نَبَاتُهَا وَطِيبُ ثَمَرِهَا، فَقَالُوا لِبَنِي عَامِرٍ: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لَا تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْضُ ضَرْعٍ، وَنَرَاكُمْ عَلَى أَنْ آثَرْتُمُ الْمَاشِيَةَ عَلَى الْغِرَاسِ، وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَيْسَتْ لَنَا مَوَاشٍ، فَهَلْ لَكَمَ أَنْ تَجْمَعُوا الزَّرْعَ وَالضَّرْعَ بِغَيْرِ مَؤُونَةٍ؟ تَدْفَعُونَ إِلَيْنَا بِلَادَكُمْ هَذِهِ فَنُثِيرُهَا وَنَغْرِسُهَا وَنَحْفِرُ فِيهَا الْأَطْوَاءَ وَلَا نُكَلِّفُكُمْ مَؤُونَةً. نَحْنُ نَكْفِيكُمُ الْمَؤُونَةَ وَالْعَمَلَ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ إِدْرَاكِ الثَّمَرِ كَانَ لَكُمُ النِّصْفُ كَامِلًا، وَلَنَا النِّصْفُ بِمَا عَمِلْنَا.
فَرَغِبَ بَنُو عَامِرٍ فِي ذَلِكَ وَسَلَّمُوا إِلَيْهِمُ الْأَرْضَ، فَنَزَلَتْ ثَقِيفٌ الطَّائِفَ وَاقْتَسَمُوا الْبِلَادَ وَعَمِلُوا الْأَرْضَ وَزَرَعُوهَا مِنَ الْأَعْنَابِ وَالثِّمَارِ، وَوَفَوْا بِمَا شَرَطُوا لِبَنِي عَامِرٍ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، وَكَانَ بَنُو عَامِرٍ يَمْنَعُونَ ثَقِيفًا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ.
فَلَمَّا كَثُرَتْ ثَقِيفٌ وَشَرُفَتْ حَصَّنَتْ بِلَادَهَا وَبَنَوْا أَسْوَارًا عَلَى الطَّائِفِ وَحَصَّنُوهُ، وَمَنَعُوا عَامِرًا مِمَّا كَانُوا يَحْمِلُونَهُ إِلَيْهِمْ عَنْ نِصْفِ الثِّمَارِ. وَأَرَادَ بَنُو عَامِرٍ أَخْذَهُ مِنْهُمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَقَاتَلُوهُمْ فَلَمْ يَظْفَرُوا، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ بَطْنَيْنِ: الْأَحْلَافُ وَبَنِي مَالِكٍ، وَكَانَ لِلْأَحْلَافِ فِي هَذَا أَثَرٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ تَزَلْ تَعْتَدُّ بِذَلِكَ عَلَى بَنِي مَالِكٍ فَأَقَامُوا كَذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ الْأَحْلَافَ أَثْرُوا وَكَثُرَتْ خَيْلُهُمْ، فَحَمَوْا لَهَا حِمًى مِنْ أَرْضِ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ يُقَالُ لَهُ جِلْذَانُ، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ بَنُو نَصْرٍ وَقَاتَلُوهُمْ عَلَيْهِ، وَلَجَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ. وَكَانَ رَأْسُ بَنِي نَصْرٍ عُفَيْفَ بْنَ عَوْفِ بْنِ عُبَادٍ النَّصْرِيَّ ثُمَّ الْيَرْبُوعِيَّ، وَرَأْسُ الْأَحْلَافِ مَسْعُودَ بْنَ قَعْنَبٍ. فَلَمَّا لَجَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَ بَنِي نَصْرٍ وَالْأَحْلَافِ اغْتَنَمَ ذَلِكَ بَنُو مَالِكٍ وَرَئِيسُهُمْ جُنْدَبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جُشَمَ مِنْ ثَقِيفٍ لِضَغَائِنَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَحْلَافِ، فَحَالَفُوا بَنِي يَرْبُوعٍ عَلَى الْأَحْلَافِ.
فَلَمَّا سَمِعَتِ الْأَحْلَافُ بِذَلِكَ اجْتَمَعُوا. وَكَانَ أَوَّلُ قِتَالٍ كَانَ بَيْنَ الْأَحْلَافِ وَبَيْنَ بَنِي مَالِكٍ وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي نَصْرٍ يَوْمَ الطَّائِفِ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْتَصَرَ الْأَحْلَافُ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْهُ إِلَى وَادٍ مِنْ وَرَاءِ الطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ لَحْبٌ، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي مَالِكٍ وَبَنِي يَرْبُوعٍ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ ذَلِكَ الْجَبَلِ يُقَالُ لَهُ الْأَبَانُ. ثُمَّ اقْتَتَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute