فَاسْتَسْلَمَ، وَانْهَزَمَتْ عَسَاكِرُهُ، وَأُخِذَ أَسِيرًا، وَحُمِلَ إِلَى بَيْنِ يَدَيْ خُوَارَزْم شَاهْ، فَأَكْرَمَهُ وَوَعَدَهُ الْإِحْسَانَ وَالْجَمِيلَ، وَأَمَّنَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى طَاعَتِهِ، وَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ بَعْضَ الْبِلَادِ إِلَيْهِ، وَيُبْقِيَ بَعْضَهَا، وَأَطْلَقَهُ وَسَيَّرَ مَعَهُ جَيْشًا إِلَى بِلَادِ فَارِسَ ; لِيُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ مَا اسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَيْهِ ; فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى وَلَدِهِ الْأَكْبَرِ رَآهُ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى بِلَادِ فَارِسَ، فَامْتَنَعَ مِنَ التَّسْلِيمِ إِلَى أَبِيهِ.
ثُمَّ إِنَّهُ مَلَكَ الْبِلَادَ، كَمَا نَذْكُرُهُ، وَخَطَبَ فِيهَا لِخُوَارَزْم شَاهْ، وَسَارَ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَى سَاوَةَ فَمَلَكَهَا، وَأَقْطَعَهَا لِعِمَادِ الْمُلْكِ عَارِضِ جَيْشِهِ، وَهُوَ مَنْ أَهْلِهَا ثُمَّ سَارَ إِلَى قَزْوِينَ وَزَنْجَانَ وَأَبْهَرَ، فَمَلَكَهَا كُلَّهَا بِغَيْرِ مُمَانِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ ثُمَّ سَارَ إِلَى هَمَذَانَ فَمَلَكَهَا، وَأَقْطَعَ الْبِلَادَ لِأَصْحَابِهِ، وَمَلَكَ أَصْفَهَانَ، وَكَذَلِكَ قُمَّ وَقَاشَانَ، وَاسْتَوْعَبَ مُلْكَ جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْزَبْكَ بْنِ الْبَهْلَوَانِ، صَاحِبِ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ، بِأَنْ يَخْطُبَ لَهُ أَوْزَبْكُ فِي بِلَادِهِ وَيَدْخُلَ فِي طَاعَتِهِ.
ثُمَّ إِنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى بَغْدَادَ، فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمِيرًا كَبِيرًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَأَقْطَعَهُ حُلْوَانَ، فَسَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِأَمِيرٍ آخَرَ، فَلَمَّا سَارَ عَنْ هَمَذَانَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ سَقَطَ عَلَيْهِمْ مِنَ الثَّلْجِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، فَهَلَكَتْ دَوَابُّهُمْ، وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَطَمِعَ فِيمَنْ بَقِيَ بَنُو تَرْجَمَ الْأَتْرَاكُ، وَبَنُو هَكَّارَ الْأَكْرَادُ، فَتَخَطَّفُوهُمْ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ إِلَّا الْيَسِيرُ، فَتَطَيَّرَ خُوَارَزْم شَاهْ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَعَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى خُرَاسَانَ خَوْفًا مِنَ التَّتَرِ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، وَيَفْرَغُ مِنْ إِرَادَتِهِ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، فَخَابَ ظَنُّهُ، وَرَأَى الْبِيكَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَوِيلًا، فَعَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ، فَوَلَّى هَمَذَانَ أَمِيرًا مِنْ أَقَارِبِهِ مِنْ جِهَةِ وَالِدَتِهِ، يُقَالُ لَهُ طَائِيسِي، وَجَعَلَ فِي الْبِلَادِ جَمِيعِهَا ابْنَهُ رُكْنَ الدِّينِ، وَجَعَلَ مَعَهُ مُتَوَلِّيًا لِأَمْرِ دَوْلَتِهِ عِمَادَ الْمُلْكِ السَّاوِيَّ، وَكَانَ عَظِيمَ الْقَدْرِ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْرِصُ عَلَى قَصْدِ الْعِرَاقِ.
وَعَادَ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَى خُرَاسَانَ، فَوَصَلَ إِلَى مَرْوَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَارَ مَنْ وَجَّهَهُ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ ; وَلَمَّا قَدِمَ إِلَى نَيْسَابُورَ جَلَسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَأَمَرَ الْخَطِيبَ بِتَرْكِ الْخُطْبَةِ لِلْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute