وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَلَمَّا قَدِمَ مَرْوَ قَطَعَ الْخُطْبَةَ بِهَا، وَكَذَلِكَ بِبَلْخَ وَبُخَارَى وَسَرْخَسَ، وَبَقِيَ خُوَارَزْمُ وَسَمَرْقَنْدُ وَهَرَاةُ لَمْ تُقْطَعِ الْخُطْبَةُ فِيهَا إِلَّا عَنْ قَصْدٍ لِتَرْكِهَا، لِأَنَّ الْبِلَادَ كَانَتْ لَا تُعَارَضُ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا، إِنْ أَحَبُّوا خَطَبُوا، وَإِنْ أَرَادُوا قَطَعُوا، فَبَقِيَتْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ.
وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ سِعَادَاتِ هَذَا الْبَيْتِ الشَّرِيفِ الْعَبَّاسِيِّ لَمْ يَقْصِدْهُ أَحَدٌ بِأَذًى إِلَّا لَقِيَهُ فِعْلُهُ، وَخُبْثُ نِيَّتِهِ، لَا جَرَمَ لَمْ يُمْهِلْ خُوَارَزْم شَاهْ هَذَا حَتَّى جَرَى لَهُ مَا نَذْكُرُهُ مِمَّا لَمْ يُسْمَعْ، بِمِثْلِهِ فِي الدُّنْيَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا.
ذِكْرُ مَا جَرَى لِأَتَابِكْ سَعْدٍ مَعَ أَوْلَادِهِ
لَمَّا قُتِلَ أَغْلَمْشُ، صَاحِبُ بِلَادِ الْجَبَلِ ; هَمَذَانَ وَأَصْفَهَانَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنِ الْبِلَادِ، جَمَعَ أَتَابِكْ سَعْدُ بْنُ دَكْلَا، صَاحِبُ فَارِسَ، عَسَاكِرَهُ وَسَارَ عَنْ بِلَادِهِ إِلَى أَصْفَهَانَ، فَمَلَكَهَا وَأَطَاعَهُ أَهْلُهَا، فَطَمِعَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ جَمِيعِهَا، فَسَارَ عَنْ أَصْفَهَانَ إِلَى الرَّيِّ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا لَقِيَ عَسَاكِرَ خُوَارَزْم شَاهْ قَدْ وَصَلَتْ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَعَزَمَ عَلَى مُحَارَبَةِ مُقَدِّمَةِ الْعَسْكَرِ، فَقَاتَلَهَا حَتَّى كَادَ يَهْزِمُهَا، فَظَهَرَتْ عَسَاكِرُ خُوَارَزْم شَاهْ، وَرَأَى الْجَتَرَ، فَسُقِطَ فِي يَدِهِ، وَأَلْقَى نَفْسَهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ وَقُوَّةُ عَسْكَرِهِ، فَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ، وَأُخِذَ أَتَابِكْ سَعْدٌ أَسِيرًا، وَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْ خُوَارَزْم شَاهْ، فَأَكْرَمَهُ، وَطَيَّبَ نَفْسَهُ، وَوَعَدَهُ الْإِحْسَانَ، وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ، إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى أَصْفَهَانَ، فَسَيَّرَهُ مِنْهَا إِلَى بِلَادِهِ، وَهِيَ تُجَاوِرُهَا، وَسَيَّرَ مَعَهُ عَسْكَرًا مَعَ أَمِيرٍ كَبِيرٍ لِيَتَسَلَّمَ مِنْهُ مَا كَانَ اسْتَقَرَّ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِخُوَارَزْم شَاهْ بَعْضُ الْبِلَادِ، وَلِأَتَابِكْ سَعْدٍ بَعْضُهَا، وَتَكُونُ الْخُطْبَةُ لِخُوَارَزْم شَاهْ فِي الْبِلَادِ جَمِيعِهَا.
وَكَانَ أَتَابِكْ سَعِدٌ قَدِ اسْتَخْلَفَ ابْنًا لَهُ عَلَى الْبِلَادِ، فَلَمَّا سَمِعَ الِابْنُ بِأَسْرِ أَبِيهِ خَطَبَ لِنَفْسِهِ بِالْمَمْلَكَةِ، وَقَطَعَ خُطْبَةَ أَبِيهِ، فَلَمَّا وَصَلَ أَبُوهُ وَمَعَهُ عَسْكَرُ خُوَارَزْم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute