شَاهْ امْتَنَعَ الِابْنُ مِنْ تَسْلِيمِ الْبِلَادِ إِلَى أَبِيهِ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ، وَخَرَجَ يُقَاتِلُهُ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ انْحَازَتْ عَسَاكِرُ فَارِسَ إِلَى صَاحِبِهِمْ أَتَابِكْ سَعِدٍ، وَتَرَكُوا ابْنَهُ فِي خَاصَّتِهِ، فَحَمَلَ عَلَى أَبِيهِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهُ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَالَ لَهُ: أَنَا فُلَانٌ! فَقَالَ: إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَحِينَئِذٍ امْتَنَعَ مِنْهُ وَوَلَّى الِابْنُ مُنْهَزِمًا.
وَوَصَلَ أَتَابِكْ سَعِدٌ إِلَى الْبِلَادِ فَدَخَلَهَا مَالِكًا لَهَا وَأُخِذَ ابْنُهُ أَسِيرًا، فَسَجْنَهُ إِلَى الْآنِ، إِلَّا أَنَّنِي سَمِعْتُ الْآنَ، وَهُوَ سَنَةُ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ حَبْسَهُ، وَوَسَّعَ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا عَادَ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَى خُرَاسَانَ غَدَرَ سَعْدٌ بِالْأَمِيرِ الَّذِي عِنْدَهُ فَقَتَلَهُ، وَرَجَعَ عَنْ طَاعَةِ خُوَارَزْم شَاهْ، وَاشْتَغَلَ خُوَارَزْم شَاهْ بِالْحَادِثَةِ الْعُظْمَى الَّتِي شَغَلَتْهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ انْتَقَمَ لَهُ بِابْنِهِ غِيَاثِ الدِّينِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، لِأَنَّ سَعْدًا كَفَرَ إِحْسَانَ خُوَارَزْم شَاهْ، وَكُفْرُ الْإِحْسَانِ عَظِيمُ الْعُقُوبَةِ.
ذِكْرُ مَدِينَةِ دِمْيَاطَ وَعَوْدِهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ
كَانَ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إِلَى آخِرِهَا أَرْبَعُ سِنِينَ غَيْرَ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ ظُهُورَهُمْ كَانَ فِيهَا وَسُقْنَاهَا سِيَاقَةً مُتَتَابِعَةً لِيَتْلُوَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَنَقُولُ: فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَتْ أَمْدَادُ الْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ مِنْ رُومِيَّةَ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْفِرِنْجِ فِي الْغَرْبِ وَالشَّمَالِ، إِلَّا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَهَا كَانَ صَاحِبَ رُومِيَّةَ، لِأَنَّهُ يَتَنَزَّلُ عِنْدَ الْفِرِنْجِ بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ، لَا يَرَوْنَ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ وَلَا الْعُدُولَ عَنْ حُكْمِهِ فِيمَا سَرَّهُمْ وَسَاءَهُمْ، فَجَهَّزَ الْعَسَاكِرَ مِنْ عِنْدِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ مُقَدَّمِي الْفِرِنْجِ، وَأَمَرَ غَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ إِمَّا أَنْ يَسِيرَ بِنَفْسِهِ، أَوْ يُرْسِلَ جَيْشًا، فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ فَاجْتَمَعُوا بِعَكَّا مِنْ سَاحِلِ الشَّامِ.
وَكَانَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ بِمِصْرَ، فَسَارَ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ، فَوَصَلَ إِلَى الرَّمْلَةِ، وَمِنْهَا إِلَى لُدٍّ، وَبَرَزَ الْفِرِنْجُ مَنْ عَكَّا لِيَقْصِدُوهُ، فَسَارَ الْعَادِلُ نَحْوَهُمْ، فَوَصَلَ إِلَى نَابُلُسَ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَسْبِقَهُمْ إِلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ مِمَّا يَلِي عَكَّا لِيَحْمِيَهَا مِنْهُمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute