وَلَمَّا نَزَلَ الْعَادِلُ عَلَى مَرْجِ الصُّفَّرِ سَيَّرَ وَلَدَهُ الْمَلِكَ الْمُعَظَّمَ عِيسَى، وَهُوَ صَاحِبُ دِمَشْقَ، فِي قِطْعَةٍ صَالِحَةٍ مِنَ الْجَيْشِ إِلَى نَابُلُسَ لِيَمْنَعَ الْفِرِنْجَ عَنِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ.
ذِكْرِ حَصْرِ الْفِرِنْجِ قَلْعَةَ الطُّورِ وَتَخْرِيبِهَا
لَمَّا نَزَلَ الْفِرِنْجُ بِمَرْجِ عَكَّا تَجَهَّزُوا، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ آلَةَ الْحِصَارِ مِنْ مَجَانِيقَ وَغَيْرِهَا، وَقَصَدُوا قَلْعَةَ الطُّورِ، وَهِيَ قَلْعَةٌ مَنِيعَةٌ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ بِالْقُرْبِ مِنْ عَكَّا كَانَ الْعَادِلُ قَدْ بَنَاهَا عَنْ قَرِيبٍ، فَتَقَدَّمُوا إِلَيْهَا وَحَصَرُوهَا وَزَحَفُوا إِلَيْهَا، وَصَعِدُوا فِي جَبَلِهَا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى سُورِهَا وَكَادُوا يَمْلِكُونَهُ.
فَاتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ فِيهَا قَتَلَ بَعْضَ مُلُوكِهِمْ، فَعَادُوا عَنِ الْقَلْعَةِ فَتَرَكُوهَا، وَقَصَدُوا عَكَّا، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُقَامِهِمْ عَلَى الطُّورِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَلَمَّا فَارَقُوا الطُّورَ أَقَامُوا قَرِيبًا، ثُمَّ سَارُوا فِي الْبَحْرِ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَوَجَّهَ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ إِلَى قَلْعَةِ الطُّورِ، فَخَرَّبَهَا إِلَى أَنْ أَلْحَقَهَا بِالْأَرْضِ ; لِأَنَّهَا بِالْقُرْبِ مِنْ عَكَّا وَيَتَعَذَّرُ حِفْظُهَا.
ذِكْرُ حَصْرِ الْفِرِنْجِ دِمْيَاطَ إِلَى أَنْ مَلَكُوهَا
لَمَّا عَادَ الْفِرِنْجُ مِنْ حِصَارِ الطُّورِ أَقَامُوا بَعَكَّا إِلَى أَنْ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَسَارُوا فِي الْبَحْرِ إِلَى دِمْيَاطَ، فَوَصَلُوا فِي صَفَرٍ، فَأَرْسَوْا عَلَى بَرِّ الْجِيزَةِ، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دِمْيَاطَ النِّيلُ، فَإِنَّ بَعْضَ النِّيلِ يَصُبُّ فِي الْبَحْرِ الْمَالِحِ عِنْدَ دِمْيَاطَ، وَقَدْ بُنِيَ فِي النَّيْلِ بُرْجٌ كَبِيرٌ مَنِيعٌ، وَجَعَلُوا فِيهِ سَلَاسِلَ مِنْ حَدِيدٍ غِلَاظٍ، وَمَدُّوهَا فِي النَّيْلِ إِلَى سُورِ دِمْيَاطَ لِتَمْنَعَ الْمَرَاكِبَ الْوَاصِلَةَ فِي الْبَحْرِ الْمَالِحِ أَنَّ تَصْعَدَ فِي النِّيلِ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَلَوْلَا هَذَا الْبُرْجُ وَهَذِهِ السَّلَاسِلُ لَكَانَتْ مَرَاكِبُ الْعَدُوِّ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute