للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا، وَسَلَّمُوهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ تَاسِعَ رَجَبٍ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تَسَلَّمُوهَا وَصَلَتْ لِلْفِرِنْجِ نَجْدَةٌ فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ سَبَقُوا الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهَا لَامْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا، وَلَكِنْ سَبْقَهُمُ الْمُسْلِمُونَ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، وَلَمْ يَبْقَ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا آحَادٌ، وَتَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبَا، بَعْضُهُمْ سَارَ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ، وَبَعْضُهُمْ مَاتَ، وَبَعْضُهُمْ أَخَذَهُ الْفِرِنْجُ.

وَلَمَّا دَخَلَهَا الْمُسْلِمُونَ رَأَوْهَا وَقَدْ حَصَّنَهَا الْفِرِنْجُ تَحْصِينًا عَظِيمًا بِحَيْثُ بَقِيَتْ لَا تُرَامُ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهَا، وَأَعَادَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الْحَقَّ إِلَى نِصَابِهِ، وَرَدَّهُ إِلَى أَرْبَابِهِ، وَأَعْطَى الْمُسْلِمِينَ ظَفَرًا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانَتْ غَايَةُ أَمَانِيهِمْ أَنْ يُسَلِّمُوا الْبِلَادَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ بِالشَّامِ لِيُعِيدُوا دِمْيَاطَ، فَرَزَقَهُمُ اللَّهُ إِعَادَةَ دِمْيَاطَ، وَبَقِيَتِ الْبِلَادُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى حَالِهَا، فَاللَّهُ الْمَحْمُودُ الْمَشْكُورُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ كَفِّ عَادِيَةِ هَذَا الْعَدُوِّ، وَكَفَاهُمْ شَرُّ التَّتَرِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ عَدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، كَانَتْ بِبَغْدَادَ فِتْنَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَأْمُونِيَّةِ وَبَيْنَ أَهْلِ بَابِ الْأَزَجِ بِسَبَبِ قَتْلِ سَبُعٍ، وَزَادَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ، وَاقْتَتَلُوا، فَجُرِحَ بَيْنَهُمْ كَثِيرٌ، فَحَضَرَ نَائِبُ الْبَابِ وَكَفَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ، وَأَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ، فَأُرْسِلَ مِنَ الدِّيوَانِ أَمِيرٌ مِنْ مَمَالِيكِ الْخَلِيفَةِ، فَرَدَّ أَهْلَ كُلِّ مَحَلَّةٍ إِلَى مَحَلَّتِهِمْ، وَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ.

وَفِيهَا كَثُرَ الْفَأْرُ بِبَلْدَةِ دُجَيْلٍ مِنْ أَعْمَالِ بَغْدَادَ، فَكَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْلِسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>